طيرفلسيه ــ أمال خليليجول الرجل الذي عُرِّف عنه بأنه ضابط في المقاومة متأبطاً سلاح «أم 15» بين مجموعة من الأطفال. يحاورهم ويناقشهم، لقطع الطريق أمام أيّ شك قد يراودهم في حقيقة أن «إسرائيل شرّ وعدو مطلق».

الرجل، العسكري حتى في أسلوبه ومفرداته وطريقة تعامله مع الأطفال، هو نجم سهرات «مخيم أمجاد» الذي تنظّمه «جمعية شباب» للسنة السادسة على التوالي في وادي طيرفلسيه على ضفاف جنوبي نهر الليطاني.
مهمته التعبئة، لذا يبدو من الصعب إقناعه بأن الحاضرين أطفال دون العاشرة من عمرهم، لكن ما يتبادر سريعاً إلى الذهن هو أنّ هناك من اغتصب طفولة هؤلاء قبل ذلك، فهم في معظمهم قادمون من قرى المواجهات في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون، عاشوا الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليهم، ومثّلت المقاومة حيّزاً أساسياً من تفاصيل حياتهم اليومية.
يمطرهم الرجل بوابل من الأسئلة عن إسرائيل وعقيدتها وعدوانيتها، وعليهم أن يجيبوا كأنهم يخضعون لامتحان في نهاية دورة عسكرية. يتململ الأطفال رغم دهشتهم لوجودهم وجهاً لوجه مع مقاوم بكامل عدته. يلاحظ ضيقهم، فلا يتوانى عن شحذ هممهم وأدمغتهم ليتهيأوا لمشاهدة فيلم «جيل النصر» الذي يعرض تدريب الأطفال الإسرائيليين على السلاح منذ عامهم الخامس وثقافة الحقد والقتل التي يتشرّبونها حتى يرسلوا الصواريخ هدية إلى أطفال لبنان في عدوان تموز. وعلى الطفل المشاهد أن يخرج مدركاً لحقيقة الصراع على الوجود، فلا يتهاون في ترتيب اهتماماته حتى يصبح قادراً على حمل السلاح إذا دعت الحاجة، إلى جانب تحصيله العلمي الضروري.
يمثّل المشهد أعلاه فقرة رئيسية ضمن 40 ساعة يمضيها المشاركون في المخيم الذي يتوافد عليه خلال شهري تموز وآب 4 آلاف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 14 و20 عاماً، بالإضافة إلى مشاركة عائلات بأكملها في النشاطات، وجمعيات تطلب تمضية بعض الوقت للتعرّف إلى فعاليات المخيم والمشاركة فيه. الطريق الترابية الطويلة التي يقطعها قاصد المخيم بين جبلين من سمات أي تجمّع كشفي، لكنها تتّسم بالمزيد من الرهبة، وخصوصاً أمام الصورة العملاقة للسيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية المنتصبة في قلب الجبل الرابض فوق مخيم الجمعية التابعة لحزب الله. عمل هذه الجمعية يختلف عن عمل كشافة المهدي، لأنها تستهدف الفئات الشابة المتنوّعة الانتماءات والأحوال، وتؤطرهم في نطاق أهلي يعتمد على التثقيف والترفيه. رغم ذلك، فإن المقاومة حاضرة وبفعالية، لأن الجمعية المتأسسة في عام 2000 «تعمل في القرى المحاذية لفلسطين المحتلة، حيث الصراع مع العدو لا ينتهي، والحرمان استباحها طوال عقود في ظل غياب المؤسسات الرسمية التي أجبرت القطاع الأهلي والخدماتي الخاص على أن يأخذ دورها» بحسب أحد مسؤوليها، عمار عبد علي. جدير بالذكر أن المخيم يفرد مساحات واسعة للأنشطة التوجيهية والألعاب الرياضية والترفيهية والندوات الثقافية، إضافة إلى تشجيع مواهب المشاركين وعرضها، من إلقاء وشعر وعزف.


نشاطات أخرى لـ«شباب»

تنظم جمعية «شباب» نشاطات أخرى خارج المخيم منها زيارات سنوية إلى أماكن مواجهات المقاومة. وافتتحت الجمعية أخيراً المدرسة الكروية في معروب، التي تدرّب المنتسبين إليها على مختلف أنواع الرياضات، بالإضافة إلى مدرسة أجيال المهدي التي تستقطب خلال الصيف الأطفال ما دون العاشرة. الجمعية، التي جمعت الأمجاد في مخيم، تهدف إلى توعية الشاب الجنوبي ليصبح لائقاً بحمل هوية المنطقة المقاومة. ويقرّ القيّمون عليها بأنه «رغم النتائج المحسومة للمقاومة والثقافة الجنوبية التاريخية، فإن التحدي كبير بوجود عشرات الجمعيات الدولية التي تتحرك في الجنوب وتحاول اختراق جميع الفئات بغايات قد تكون صافية وقد لا تكون».