أثارت الموافقة الأولية على منح عدد من الفلسطينيين غير المسجّلين في لبنان، إقامة مؤقتة، ضجّة في أوساط سكان مخيم برج البراجنة وأطلقت الحديث مجدّداً عن احتمالات التوطين... أو التهجير مترافقة مع شائعات كثيرة تعزّز «آمالهم» بأحد الحلّين في ظلّ حرمانهم حقوقهم الاجتماعية
قاسم س. قاسم
تسري شائعات عدّة بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مفادها أن التوطين أصبح قاب قوسين أو أدنى. ساعد على انتشار هذه الشائعة في مخيم برج البراجنة ما يتداوله السكان عن قرار للدولة اللبنانية يحمل اسم «إعادة القيد» يسمح للفلسطينيين الذين حصلوا على جنسية أخرى بالمطالبة بجواز سفر لبناني خاص باللاجئين الفلسطينيين بعدما كان الأمن العام قد حذفهم من سجلاته.
إلا أن الباحث سهيل الناطور يوضح أن القرار الذي صدر أخيراً يعني غير المسجلين من الفلسطينيين الذين لا يستطيعون التحرّك خارج حدود المخيمات، وعددهم محدود. وأن القرار هو عبارة عن موافقة أولية من الأمن العام اللبناني على منح هؤلاء إقامة مؤقتة في لبنان تتيح لهم حرية الحركة، مستبعداً وجود أهداف أخرى لهذا القرار «إذا كان هناك من حلّ لقضية اللاجئين فسيكون شاملاً». كما يؤكد الناطور أن هذا الإجراء هو لتسهيل حركة بعض الفلسطينيين «ولا سبب لإثارة أي مخاوف».
إلا أن الفلسطينيين لا يبدون معنيين كثيراً بالبحث عن تفاصيل هذا القرار وأهدافه، يكفيهم أنه إيجابي ليثير شكوكهم بنيّات الدولة اللبنانية، إذ لم يعتد اللاجئون «دلالها» على حد تعبير حسام روبين، الذي يذكّر بأن «جميع القوانين الصادرة عن الدولة اللبنانية كانت مجحفة بحق الفلسطيني، يكفي قانون منع التملّك»، لذلك يبدي تخوفه من القرار: «هو جيّد نسبياً إلا أنني لا أشعر بالاطمئنان، هناك مخطط غير واضح المعالم».
ورغم عدم وضوح هذا القانون وهدفه، إلا أن الأهالي سارعوا إلى تجديد إخراج القيد، الهوية، وبطاقة الإعاشة والهدف برأيهم: «التوطين أو التهجير» معدّدين الدول التي تنوي استقبالهم في حال رحيلهم.
بالنسبة إلى أحمد محمود وهو لاجئ من عكا لا تفعل تلك الدول شيئاً «سوى تخفيف الضغط عن الكيان الصهيوني». يفضل أن يسكن في خيم على حدود فلسطين المحتلة «بهذه الطريقة أصبح أقرب إلى فلسطين». لكنه يؤكد أن الفلسطينيين جاهزون نفسياً للتوطين، والحلّ البديل «تحسين الحياة الاجتماعية داخل المخيمات».
كثيرون لا يتوقعون هذا الحلّ البديل، الرفض الذي يردّده الساسة اللبنانيون للتوطين يجعلهم أكثر ثقة بأنه أصبح قريباً على حد تعبير أحد المسؤولين الفلسطينيين الذي رفض الكشف عن اسمه. يضيف: «منظمة التحرير الفلسطينية تجري العديد من الإحصاءات داخل المخيم بحجة تبيان الكثافة السكانية، هناك شيء مخفي». ويؤكد المسؤول وجود «طبخة جاهزة لتوطين الفلسطينيين»، لكنه يعود ليحذّر منها «لأنها ستكون سبب فتنة في لبنان».
السرية، الخفاء، يضفيان على الشائعات صدقية فيجري تلقّفها نتيجة الوضع المأساوي في المخيمات. هذا فادي يأسف على ضياع سنوات عمره داخل التنظيمات، فالثورة لم تستطع أن تؤمّن له منزلاً «أنا شو إجاني من الثورة، إذا مش قادر عمّر بيت»، متمنّياً لو يستطيع ترك العمل التنظيمي والرحيل.
من جهته، يجلس محمد عكاوي أمام عتبة منزله داخل المخيم، الأوراق الثبوتية أصبحت جاهزة كما الطلب الذي تقدّم به إلى إحدى السفارات التي رفض الكشف عن اسمها مخافة أن يُرفَض. هو لن ينتظر التوطين فقد وصله خبر بأن الدولة التي يريد الرحيل إليها مستعدة لاستقبال العدد الأوفر من الفلسطنيين. يردّد «فلسطين تبقى دائماً بالقلب، لكن هناك مستقبل يجب تأمينه». ويشرح تفاصيل معاناته كشاب فلسطيني لا يستطيع العمل بشهادة الحقوق التي حصل عليها في لبنان. تحت صورة لياسر عرفات ومحمود عباس يجلس مفيد صادق (أبو العواصف) مسؤول إعلام حركة فتح في بيروت، ليعلن رأي الحركة بالتوطين «المرفوض من أي فلسطيني»، كما يذكّر باللاءات الثلاث «لا توطين، لا استيطان، لا تهجير»، وبأن الفلسطنيين في لبنان «مجرد ضيوف، فالقرار 194 ضمن لهم حق العودة وهو حق مكتسب لا يمكن المساومة عليه». الكلام نفسه يتكرر بالقرب من مركز الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة حيث تطلّ عليك صور أحمد جبريل والأمين العام لحزب الله والشهيد عماد مغنية. هناك يجلس حمزة البشتاوي، المسؤول الإعلامي للقيادة العامة ليشرح سبب تفضيل الفلسطينيين الرحيل. فالفلسطيني المسلوب من حقوقه يفضّل الهجرة على البقاء في وضع سيّئ حيث لا يستطيع العمل كطبيب ولكن يُسمح له بأن يعمل «عتّالاً».
يؤكد حمزة أن شعباً دفع الدم مقابل قضيته لن يساوم عليها مقابل كنوز الدنيا «وما يمارس بحق الشعب الفلسطيني من ضغوط هو لجعله يرحل عن لبنان». ويلفت إلى أنه كان مرة مع مسؤول القيادة العامة أحمد جبريل ضمن الوفد الذي زار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وعند سؤال السنيورة تحسين وضع الفلسطينيين الاجتماعية في المخيمات أجابهم «لا يستطيع أحد في لبنان إقرار إعطاء الفلسطنيين حقوقهم لا قبلي ولا بعدي». مؤكداً أن أفضل طريقة لنزع فكرة التوطين هي معاملة الفلسطنيين بالطريقة نفسها التي يعاملون بها في سوريا وبقية البلدان العربية.
تحسين الأوضاع الاجتماعية للمخيمات كان المطلب الأساسي لجميع الفصائل الفلسطينية، وهو أيضاً من أهم الأسباب التي جعلت الفلسطيني يأمل التوطين، ويبقى جاهزاً للاستغناء عنه إذا تحسّنت أحوالهم.