أحمد محسنكان زوّار البيت العلماني على موعد مع أمسية شعرية للشاعر الشاب ناصر أبو نصّار، رافقها عزف على آلة العود للموسيقي العراقي زبير، الذي استهل اللقاء بمعزوفة مميزة منعت الحاضرين من التململ، بسبب التأخير البسيط في بدء الأمسية.
بدأ الموسيقي بمقطوعة هادئة، تشبه صمت الحاضرين وانتباههم، قبل أن يحضر الشاعر إلى منبره المزّين بالشموع القليلة. افتتح أبو نصّار أمسيته بإهداء متواضع، إلى «الذين يحبّهم»، مردّداً أسماءهم قبل أن يذهب في الشعر، وسط عزف غير منقطع لزبّير. ألقى الشاعر قصائد جديدة من ديوانه المقبل «تقاسيم بنفسج»، فتزاحمت مع أوتار العود، كأنهما متشابهتان في الوجه والمضمون، إلا أن الحضور الموسيقي كان طاغياً إلى درجة قصوى، تتفوّق على حضور الشعر، في عيون الحاضرين وتصفيقهم بين الحين والآخر. محمود درويش كان حاضراً أيضاً، فعلى الرغم من أنّ أبو نصّار رفض رثاء الشاعر الفلسطيني، لأنّ الرثاء فعل يومي محزن، تكوّنت قصائده من عناصر أساسية، مثل المخيّم والزيتون والبرتقال، ما أعطى انطباعاً واضحاً، بتأثره اللغوي بشاعر الكرمل الراحل، قبل أن يظهر التأثر الشعري جلياً، حين يقول أبو نصّار: «في حضرة المطر/ تتخذ هيئة الراقص». ويعود التأثر مجدداً في قصيدة خاصة عن مخيمي صبرا وشاتيلا، يبدأها الشاعر بالقول «أطلق رصاصك الآخر»، أو أطلق وجهك الشعبي فينا كما يقولها درويش.
لكن ذلك لا ينفي أن القاعة شهدت اهتماماً خاصاً بقصيدة المخّيم، حيث ارتفعت وتيرة العزف بشكل ملحوظ، وتفاعل الجمهور معها، وخصوصاً عند المقطع الذي ردّد فيه أبو نصّار منفعلاً: «كن فعل الأنوثة/ في الياسمين/ ورائحة الخبز الطازج/ في دمه». وكما افتتح زبير الأمسية بهدوء، اختتمها بالطريقة نفسها، بين ضجيج الحاضرين، الذين استعدوا لسماع «رسالة سياسية» أراد الشاعر أن يطلقها. لكن الرسالة لم تتجاوز توجيه التحيات إلى «الرفاق في اتحاد الشباب الديموقراطي والمشاركين في مسيرة الربيع»، داعياً الجميع إلى «الحفاظ على الشعر». وفي ظل هذا الهدوء، توارى العازف العراقي عن الأنظار، آخذاً معه موسيقاه، وإعجاب المستمعين المفرط بها، الذين انصرفوا بدورهم للاطّلاع على الكتاب الأول لأبو نصّار «المستوحش للخضرة»، الذي صار حاضراً في مكتبة البيت المتواضعة.