يعبر الأطفال وأهاليهم بوابة المجمع الجامعي في الحدث، بشكل شبه يومي. رصيف وموقف سيارات يتحوّلان في العطلة الصيفية إلى حديقة عامة
محمد محسن
تبدو حركة الدخول إلى مجمع الحدث الجامعي والخروج منه غريبةً للوهلة الأولى، إذ تدخل مجموعات صغيرة، لا توحي أعمار أفرادها بأنّهم من أبناء الجامعة اللبنانيّة التي تمضي حالياً عطلتها الصيفية. يكفي عبور أمتار قليلة بعد البوابة الرئيسية للمجمع الجامعي من ناحية حي السلم، للتحقق ممّا يجري هناك. فلا تكاد ساعات ما بعد الظهر تحل، حتى يبدأ رصيف الجامعة الخارجي، بلعب دورٍ جديد.
لم يعد المكان موقفاً للسيارات والدرّاجات الناريّة فحسب، بل تحوّل إلى رصيف مشاةٍ ورياضيين كثر، وقد تجمّع على جانبيه أطفال اجتذبهم اللهو تحت شجيرات صغيرة. في زاوية أخرى، تعقد بعض الأمهات جلساتٍ «عصرونية» أهم عناصرها أحاديث طويلة، وفناجين قهوة، وأكياس من المشتريات المتواضعة و«البزر» الصغير. يذكر أنّ المكان يخلو في ساعات الظهر من الزوّار، ما عدا بضعة أطفال متسوّلين.
تأتي أم حسن بأولادها بناءً على برنامج «يوم إي يوم لأ»، تجلس مع جاراتها، فيما يجمع صغيرها حسن أترابه لتبدأ مباراة كرة القدم. لا تغيب الضحكات عن وجوه الأطفال، حتى وإن خسروا مبارياتهم. يركضون بين الفينة والأخرى نحو أمهاتهم لشرب كوب ماء يغطي رذاذه قمصانهم، التي تعكس فقرهم. الأطفال منشغلون باللعب، ومن يجب عن السؤال لا يتكرّم بأكثر من جملة قبل أن ينصرف إلى متابعة نشاطه «منجي منلعب هون وبس». ومنهم من أحضر دراجته أو «scooter» خاصته لممارسة هوايته مع رفاقه.
أما الأهالي، وخصوصاً الأمهات، فلهنّ وجهة نظر أخرى، اللعب ليس من عناصرها. تبدي أم حسن أسفها «لاضطرارنا» لاستعمال الرصيف الخارجي للجامعة، وتعزو السبب إلى الإهمال الذي تعانيه منطقة حي السلّم، حيث لا حديقة عامة واحدة تمنح الأطفال فسحة صيف هادئ. تنطلق أم حسن من بيتها الكائن في «حي الجامعة» عند الساعة الخامسة، لتمضية ثلاث ساعاتٍ من الأحاديث والتسلية، و«عشان الولاد يلعبوا». تعترف بأن استعمال رصيف الجامعة «غلط»، لكنها تسأل عن البديل، وتشير إلى «أننا غير مضطرين لقطع مسافاتٍ من أجل التنزه في مناطق بعيدة، وعلى الدولة أن تجد لنا حلّاً لذلك». تثني أم أيمن على كلام جارتها، وتأخذ زاوية أخرى للحديث... «المصاري» التي لا يستطيعون تأمينها لقاء الجلوس في مكانٍ آخر. تلعب الظروف الاقتصادية إذاً دوراً كان مبهماً، قبل أن تسحب أم أيمن مشتريات من كيس أسود كان بجانبها. ليس من شيء غريب داخل الكيس «ألواح شوكولاته، أكياس تشيبس، وعبوات عصير». تسأل بدورها: «من أين نأتي بثمن خدمة المطاعم أو المواصلات التي تقلّنا إلى الحدائق في بيروت؟».
تجمع البيئة الفقيرة للمنطقة أهلها حول الكثير من العناوين المطلبية، ويعكس هذا الأمر وجودهم في مرفق عام «لأغراض خاصة». وحدها الحاجة أم حسين استسلمت للهواء الآتي من الجبل. ابتسمت وأجابت: «هون مشرق هوا يا ابني، منجي نحنا المشحرّين منشم هوا نظيف».
الصورة تكتمل في الرصيف المعاكس الذي يحفل بعشاق «يكزدرون» قرب جامعتهم أو رياضيين هربوا من الهواء الملوّث وزحمة السير، في أماكن عامة كانوا يرتادونها لممارسة رياضات المشي السريع والهرولة. هناك، وجدت بعض الفتيات ملاذهن في لعبة التنس.
في الداخل، لا يزال المجمع يحتضن بعض طلابه الذين يلازمون السكن الجامعي في الصيف، فيعودون من أعمالهم اليومية، ويمارسون هواياتهم على ملاعب الجامعة الرياضية. وبذلك يتحوّل المكان إلى متنزّه بشقيه الداخلي والخارجي.
هناك حيث يختلف شكل الرصيف، حديقة عامة بإدارة مجهولة، تديرها الحاجة الماسّة إلى مرافق تريح الفقراء من همومهم ولو لساعات. هناك حيث تهمل الدولة دائماً، فتجبر المواطن على أن يكون أكثر إهمالاً لمرافقها.