لا يصعب على الناظر إلى اللوحات الإعلانية المثبتة على جنبات الطرق اللبنانية، ملاحظة سيول من الإعلانات عن السلع الرقمية التي تشمل الكومبيوتر والكاميرا والخلوي وغيرها. ويلفت بينها إعلانات عن أنواع مبتكرة من التلفزيون، تحمل أسماء مثل «أل سي دي» LCD و»اتش دي تي في» HDTV
غسان رزق
في المساء، تُطالع أعين اللبنانيين مصطلح «اتش دي تي في» بارزاً على إحدى الأقنية الخمس التابعة لـ«الجزيرة الرياضية» التي أناطت تلك المحطة بها تغطية أحداث الدورة الأولمبية في بيجين.
بداية، يجدر القول إن الأصناف الجديدة تندرج ضمن تحوّل التلفزيون إلى التقنيات الرقمية. ويميل صُنّاع الكومبيوتر إلى إدماج تقنيات الفُرجة السمعية ـــ البصرية في صلب أعمال الحاسوب. وتشهد صناعة التلفزة تغيّرات جذرية بأثر من دخول تقنيات الكومبيوتر والإنترنت إليها. وراهناً، تستفيد تقنيات البثّ وشاشات التلفزة من تقدّم تقنيات المعلوماتية والإنترنت. وتهدف معظم تلك التقنيات الجديدة إلى تخفيف كلفة الإنتاج، عبر التكنولوجيا الرقمية، إضافة إلى تحقيق ميزات مثل إعطاء صور أشد نقاءً، وصناعة تلفزيونات تملك بعض قدرات الكومبيوتر مثل التعامل مع النصوص، والتفاعلية، وتخزين المواد وغيرها.
«أل سي دي» LCD اختصار عبارة Liquid Crystall Display وتعني «شاشة الكريستال السائل». وتتولى شركات كبرى صنعها مثل «بينكيو» و«سوني». ويشير اسمها إلى أنها مصنوعة من تراكم طبقات من بلورات الكريستال المُتناهية الصغر، ما يجعلها تتصرف وكأنها طبقة من سائل شفاف. ونظراً لأنها تشبه غيمة من غبار شفيف، فإنها تسمح بمرور نوع معين من الموجات الضوئية، وباتجاه وحيد. التحكّم في الموجات الضوئية هو ما يوّلد الصور والأصوات على الشاشات الفضية. ومع صغر حجم البلورات، فإن الشاشة تتحكّم في أصغر الموجات، وبالتالي تعطي صوراً شديدة الدقة وصوتاً فائق الوضوح.
منذ إطلاق شركة «أن بي سي» أول محطة تبث بالألوان سنة 1953، لم تتغير تقنية البث والشاشات كثيراً. ومع أن التقنيات الحديثة قادرة على إيصال صورة أوضح بكثير مما نراه راهناً، إلا أن ذلك يتطلب تجديداً في الكاميرات وأدوات البث وأجهزة التلفزيون، إضافة إلى اعتماد نظام تقني موحّد، لكي يستخدمه صانعو المعدات، ومحطات البث، ومنتجو المواد البصرية ـــ السمعية. ويتمثل هذا النظام راهناً في تقنية «التلفزيون العالي الدقة» High Definition TV واختصاراً «اتش دي تي في» HDTV. وينتشر في اليابان وأميركا الشمالية وأوستراليا. وقد باتت تقنية «اتش دي تي في» جاهزة لكي تنتشر في أوروبا. ففي بريطانيا مثلاً، تنوي «هيئة الإذاعة البريطانية» («بي بي سي» BBC) إنتاج برامجها بهذه التقنية قبل عام 2010. وشهدت ألمانيا أول محطة للبث التلفزيوني تتوافق مع تقنية «اتش دي تي في» عام 2005. وحدث أمر مشابه في فرنسا وبلجيكا. ويلفت أن مباريات كأس أوروبا في كرة القدم سنة 2006 مثّلت نقطة التحوّل لانتشار هذه التقنية أوروبياً. وغالباً ما تكون أسعار هذه الشاشات أغلى من غيرها.
مع انتشار الإنترنت والهواتف الخلوية، انتشرت البرامج التلفزيونية التي تعتمد عليها لإعطاء المشاهد دوراً أكبر في تحديد مسار البرامج، وذلك بواسطة موقع على الإنترنت أو بواسطة الخلوي ورسائله المتعددة الوسائط « أم أم أس». ولكن مفهوم التلفزيون التفاعلي أكبر من ذلك. فقد وضع تجمع شركات المصنعين نظاماً جديداً اسمه «ميلتيميديا هوم بلاتفورم» Multimedia Home Platform (واختصاراً «أم اتش بي» MHP ) يمَكّن من تصفح الإنترنت على شاشة التلفزيون، إضافة إلى ممارسة الألعاب الإلكترونية والتسوّق والتصويت وغيرها. ويتنافس هذا النظام مع تقنية «ام بي اتش» MPH.
يرى كثير من اختصاصيي الإنترنت أن «أي بي تي في» التي تختصر عبارة Internet Protocol TV هي الأوفر حظاً للانتشار في المستقبل المنظور. إذ شهد لبنان وكثير من دول الشرق الأوسط أخيراً، أسوة بالكثير من المناطق الأخرى، انتشاراً قوياً للإنترنت السريع عبر خطوط «دي أس أل» DSL.
وتُمَكّن هذه الشاشات من الحصول على محتويات الإنترنت، ومزجها مع برامج الأقنية المتلفزة. وتفترض الشركات أن المشترك يبقى على اتصال مع شبكة الإنترنت العالمية بصورة دائمة، ما يمكّنه من طلب البرنامج الذي يريده، كما يستطيع الحصول على دليل المحطات وغيرها. وقد راهنت شركات المعلوماتية على انتشار هذا النوع من التلفزيونات منذ أواسط التسعينيات، لكنه أمر لم يحصل! ومن الواضح أن انتشار التلفزيون التفاعلي يحتاج إلى انتشار قوي لبنية إلكترونية تحتية، وهو الأمر الذي يجعل هذا النوع من الترفيه البصري متصلاً بمسار التنمية في الدول، وخصوصاً في العالم الثالث!
وقبل فترة، اعتزمت دول خليجية إطلاق قناة متلفزة عبر الإنترنت موجّهة للشباب العربي، لكن ذلك المشروع لم يلق نجاحاً يذكر. ومن الواضح أن موضوع الترفيه الرقمي وثقافته وتقنياته، مترابط مع مسألة تعامل المجتمع مع المعلوماتية والاتصالات والكيفية التي يُدرجها في نسيجه وتطوره. ومن المثير أن تصل تلك الأجهزة إلى لبنان، مثلاً، قبل أن يدخل البلد في عصر البث المتلفز الرقمي، أرضاً وفضاءً.