محمد زبيبيتمسّك رئيس جمعية الصناعيين فادي عبّود بموقفه الرافض لأي تدخّل من الحكومة في مسألة تصحيح الأجور في القطاع الخاص، وهو موقف يلتقي مبدئياً مع موقف الحكومة نفسها، أو هكذا يبدو من بيانها الوزاري الذي استنسخ قرار الحكومة السابقة (غير المنفّذ) كما هو. هذا الموقف (والقرار المذكور ضمناً) يسعى إلى حصر دور الحكومة بتحديد الحد الأدنى للأجور فقط، كما يسعى إلى تحديد صفتها باعتبارها فقط ممثلاً لأكبر صاحب عمل، وبالتالي لا يعترف بأي صلاحية لها للتدخل إلا في زيادة أجور العاملين لديها في القطاع العام.
لا شك أن عبّود لا ينطلق في بناء موقفه من موقع الانتماء إلى «ديانة السوق»، إنما ينطلق من موقع آخر، يُفترض به أن يضعه إلى جانب العمّال في معركة واحدة.
فقد جسّد العمّال طوال المراحل السابقة قوّة الضغط الأضعف في ميزان المصالح الفئوية، وبالتالي استسهلت الطبقة السياسية تحميلهم وحدهم عبء الخسائر، من خلال تجميد أجورهم منذ عام 1996 وتقويض مكتسباتهم الاجتماعية وتكبيلهم بنظام ضريبي لا يميّز بينهم وبين أصحاب الرساميل... فيما جرى توزيع المكاسب على الفئات الأخرى، واستمر هذا المنحى حتى عام 2000 عندما أضحت «الكعكة» غير كافية للجميع بسبب استفحال الأزمة البنيوية في الاقتصاد والاعتراف بالأزمة المالية، عندها أصبح الصناعيون فريسة سهلة للسياسات التي جرّدتهم تدريجاً من كل دعم أو حماية، وأصبحوا، كما العمّال وقبلهم المزارعون، خارج التأثير السياسي.
إن موقف الصناعيين اليوم يحاول أن يُبقي العمال بمثابة «كبش الفداء» في معركة «الثأر»، فيما المعركة يُفترض بها أن تكون واحدة، من أجل فرض التغيير في السياسات الحكومية، بما يؤدي إلى إعادة الاعتبار للإنتاج كرافعة للاقتصاد والمجتمع. فما يقوله عبّود عن أن تصحيح الأجور في القطاع الخاص يتناقض مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية والشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة العربية الحرة... ينطبق أيضاً على ملفات أخرى تتصل بحماية الاحتكارات وارتفاع الأكلاف وغياب الدعم، وسوء التوزيع... ألا تستأهل هذه الملفات تحرّكاً موحّداً يفرض تعزيز مؤسسات الإنتاج وتوفير فرص العمل وزيادة المداخيل؟