نشبت منذ بضعة أشهر مواجهة حادة بين الشرطة الأردنية ومربّي المواشي المنتمين بأغلبهم إلى جماعة البدو، بسبب ارتفاع أسعار العلف نتيجة أزمة الغذاء العالمية. عمّم الإعلام عن البدو صورة تختلف تماماً عن تلك التي كان المشاهد المواظب على المسلسلات البدوية والمستمع المستمتع بأغاني سميرة توفيق قد كوّنها عنهم. فقد بان المتظاهرون كادحين ترتسم على وجوههم علامات الحرمان. ماذا حدث للبدو ولكبريائهم الأسطوري الذي عرفناه في الفن والدراما وحكايا المستشرقين؟هناك مقاربات عدة للتعريف بالبدو. فهم مجموعة لها ثقافتها الخاصة المرتبطة ببيئتها الطبيعية، وهم أيضاً فئة تعتمد منظومة اقتصادية وغذائية ترتكز على تربية المواشي في البادية، حيث يصعب إنتاج المحاصيل. ومن خصوصيات البدو في تربية مواشيهم أنهم رحّل، أي أنهم ينتقلون من مكان إلى آخر على وقع المواسم، بحثاً عن المياه والمراعي الغنية. كانت الجِمال حتى بداية القرن العشرين، تمثّل مصدر الغذاء الرئيسي للبدو، إذ إنها كانت تزوّدهم بالحليب واللحم، كما أنهم كانوا يغزلون صوفها ويصنعون منه أثواباً وخيماً وبسطاً يبيعونها في المدن لشراء بعض الاحتياجات الأساسية كالدقيق والسكر، ويرى علماء البيئة أن هذه الطريقة كانت المثلى لاستخدام الموارد الصحراوية الشحيحة.
انتشر بدو المشرق العربي من شمال سوريا إلى جنوب الأردن وشمالي الجزيرة العربية.
كما أنهم كانوا في لبنان وفلسطين حيث اختصوا في تربية المواشي الصغيرة من أغنام وماعز، كما كانوا أحياناً يزرعون الحقول لإنتاج الحبوب والعلف. بقيت حياة البداوة قائمة ومتميزة عن حياة الفلاحة حتى عام 1920 تقريباً، هذا بالرغم من محاولات الدولة العثمانية لتوطين البدو في القرى.
قسّمت اتفاقية سايكس ـــ بيكو الوطن العربي إلى دويلات اصطناعية تمسّك حكّامها بحدودها ومنعوا التنقل السهل في ما بينها، ما مثّل عائقاً أساسياً أمام حركة البدو، وساهم في كسر سلسلة الإنتاج الاقتصادي. ووضع حكام الدول المستحدثة يدهم على الأراضي الواسعة التي كان يطوف فيها البدو، ومنعوا البدو الذين لم يملكوا يوماً إفادات عقارية من ولوجها وإنتاج الغذاء عليها.
ثم أتت سنوات متتالية من الجفاف في العشرينيات من القرن الماضي وثم في الخمسينيات والسبعينيات لتفاقم مآسي البدو.
تدهورت المنظومة الغذائية والاقتصادية البدوية، وانضم البدو إلى قوافل الفقراء التي أنتجتها عملية بناء الشرق الأوسط الحديث، فهم اليوم بحاجة إلى رعاية الدولة، في الوقت الذي يشيّد فيه أبطال ومنتجو المسلسلات البدوية السخيفة قصورهم على أراض كانت في ماضٍ قريب مرعى لإبل هؤلاء.