يقدم الطالب الموهوب جوليان بطرس، وعدد من أصدقائه، في بداية الشهر المقبل باكورته المسرحية «نُص...نُص». تعالج المسرحية الواقع السياسي اللبناني عبر بطلته مايا التي تعاني انفصاماً في الشخصية، وحبّ نديم لها. وقد موّل العمل أبطاله بأنفسهم مع مساهمة بعض المعلنين
جونيه ـ رندلى جبور
ـ مايا، بدّك بوظة أو شوكولاتة؟
ـ ما بعرف، فيّ آخذ ملعقة بوظة ونُصّ شوكولاتة؟
«مايا» هي وليدة الوحدة والتفكك الاجتماعي والانقسامات السياسية في لبنان، بل الترجمة الإبداعية لدراسة علمية أظهرت أن 15،6 في المئة من اللبنانيين يعانون مزاجاً متقلّباً بتطرف المشاعر والتناقض الفجائي في التصرفات. من هنا جاءت فكرة مسرحية «نُص...نُص» للطالب جوليان بطرس، يعرضها كتابة وإخراجاً وبطولة، على خشبة الأتينيه في جونيه في 4 و5 و6 أيلول المقبل.
تعبّر «نُص...نُص» عن اللّاقرار بلغة عامية يومية يعرض فيها جوليان لقصة حب بين نديم المثالي وبين مايا المصابة بانفصام في الشخصية، ونرى ذلك من خلال وجود (3) مايا على الخشبة إلى جانب لانا التي هي وَهم مايا.
تؤدي دور «مايا الصغيرة» الطفلة ميريام عون التي تعكس طفولة مايا والوحدة التي عاشت فيها، أما دور مايا، ابنة التاسعة عشرة، فتؤديه كل من نور بولس وسارة عطا الله، وتمثل الوهم ماري ـ جو معيكي.
ينهمك الفريق المسرحي بالتحضيرات، وهو في مرحلة «تركيب» المسرحية على الخشبة وتحتاج هذه المرحلة النهائية التي تشمل التدريب الجماعي إلى 8 أيام قبل العرض بعدما قرأ الممثلون النص أربع قراءات فور تسلّمه في 15 تموز الماضي. وبين القراءة والتركيب أجرى «أصحاب الحوارات المشتركة» تمرينات ثنائية ليصبحوا شبه جاهزين للأدوار ولكن من دون ديكور مكمّل وأزياء خاصة حتى الآن. وسيُظهر الديكور خيال مايا المنفصم من خلال جدار يفصل غرفة «مايا 1» وغرفة «مايا 2»، وبين الغرفتين باب يمثّل الممر بين الحالتين.
على قاعدة «الفن داخل الفن» وُضعت شاشة تلفزيون على خشبة المسرح يطلّ من خلالها شخصان على نديم، من خلال برنامج يطرح فيه الشباب مشاكلهم ويحاول محلل نفسي اقتراح الحلول، فيعرض أحدهم مشكلة تشبه تلك التي يعانيها نديم عبر تعلقه بمايا.
وتُفتتح المسرحية عبر قصة مصوّرة على شاشة كبيرة، تخبر فيها المخرجة والمنفذة رومي عون قصة «البالون الأحمر» الذي يرافق مشاهدي المسرحية على مدى ساعة ونصف ساعة لكونه يظهر وهماً قد يتعلق به الإنسان حتى لو كان بلا قيمة حقيقية.
يتحمّس فريق العمل ليعرض مشاهد إخبارية ويختار كل منهم المقطع الأحب إلى قلبه، يتدرب الممثلون على مشهدين، الأول تظهر فيه مايا طفلة تحوك خيطانها وحيدة ولانا الوهم التي لا تكفّ عن الكلام عن اللعب. أما في المشهد الآخر، فتحضر السياسة: «هيدي هيي المشكلة.. من ميل حزب النايلون يللي صار يمشي مع الدولة ومن ميل حزبنا نحنا يللي مع الديموقراطية والحرية والمجتمع اللاطبقي. وبيناتنا في حزب الهيليوم يللي عم بيجرب يجمع حزب النايلون وحزبنا نحن». وقد استوحى الكاتب أسماء الأحزاب من الحقل المعجمي للبالون، فيما استقى مضمونها من واقعنا. وتتضمن المسرحية فلسفة خاصة عن «بكرا» الذي ينتظره الجميع وأسباب مرض انفصام الشخصية وإمكانات علاجه.
تتميز المسرحية بالألوان، إذ يرمز الأبيض والأسود إلى العودة إلى الماضي، فيما يليق الزهري بالفتاة «الغنوجة» التي تظهر في ملابس جلدية داكنة في شخصيتها الثانية. ويرتدي الوهم ثوباً رهبانياً على طريقة «الغريغورين». لكن لا بد من حضور الأحمر في الجريمة.
هذه هي الألوان التي سيغرق فيها مسرح الأتينيه، لمدة ثلاثة أيام في تجربة شبابية تخوض غمار الفن للسنة الثانية على التوالي في مرحلة الانتقال من المدرسة إلى الحياة الجامعية.


بعيداً من اللغة الاصطناعية

بلغ جوليان بطرس الثامنة عشرة من عمره أخيراً. هو يرغب في متابعة دراسة المسرح في الجامعة. يؤدي جوليان دور البطل نديم في مسرحية «نص...نص» إلى جانب كتابة المسرحية وإخراجها. يعلّق جوليان على تمايز مسرحيته بالقول: «أجمل ما فيها أنها تخبرنا كيف نعيش نحن. رائع أن يخبر الشباب عن الشباب والكبار عن الكبار، لعلنا نخرج من اللغة الاصطناعية لنخاطب بعضنا بعضاً بواقعية وصدق». وبسبب انهماكه في الإشراف العام على كل تفاصيل المسرحية، لم يكن لدى جوليان الوقت الكافي لتأليف موسيقى خاصة بالمسرحية، لذا اختار مقطوعات موسيقية للمؤلف الفرنسي يان تييرسان لتواكب العرض. وقد استوجبت كتابة سيناريو المسرحية يومين كاملين من جوليان، بعد دراسة معمقة دامت أربعة أشهر.