استضاف المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في النبطية أربعة أفلام تسجيلية لأربع طالبات تخرجن من الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (الألبا) والجامعة اليسوعية. خاطبت الأفلام الشباب بلغتهم التي تعكس مزاجهم وخياراتهم وأحلامهم، فيما لم يغفل اللقاء هاجس مصادر التمويل والإنتاج
كامل جابر
لم تكن سرينا أبي عاد تتوقع أن لغة عملها «التهويدة» ستكون «خاصة جداً». تعلّق قائلة: «ظننتُ أنني صنعت فيلماً لكل الناس، وبعد العرض، وجدت أنّ البعض لم يقرأ رسائلي الإيمائية، فأدركت أنّه فيلم للشباب المرتبط بالسينما فحسب».
ثم توضح قائلة: «كان همي الأول أن أترجم الفكرة التي راودتني، لجهة العلاقة الذاتية بيني وبين بعض أحلامي والصدفة التي تجعلني أتخيل بعض الأمور وقد حصلت في وقت ما وعالم ما».
يروي فيلم سرينا قصة الطالب جاد حدّاد، المتفوق والمغمور اجتماعياً. تلاحق جاد (30عاماً) في ليلة عيد مولده من كل سنة، كوابيس تقلق راحته، وتجعله يتخلى عن كل شيء، حتى عن أصدقائه، ويهرب نحو المجهول. هذا الهروب من الواقع والأحلام المقلقة، جعله يقترب أكثر فأكثر، والسنة تلو السنة من سرّ هذه الكوابيس.
فتحت الأفلام التسجيلية ـــــ مشاريع التخرج التي عرضها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي شهية الحوار بين متخرجين من جامعتي الألبا والقديس يوسف، وآخرين على مقاعد الجامعات من اختصاصات متنوعة، يعيشون قلق ما بعد التخرج. فأثار المتخرجون المراحل التي تخرج المشروع الطلابي إلى الحيز الإبداعي.
ومع أنّ الطلاب سعوا إلى تأمين الموارد المالية لنيل شهادة التخرج، إلا أن الأمر يشرع القلق مستقبلاً، على مصادر التمويل والإنتاج التي يجب أن ترعى هذه المواهب وإبداعاتها.
وعلى الرغم من أنّ الأفلام الطلابية تحصد جوائز تقديرية تعزز الثقة بالنفس، غير أن المردود المعنوي لا يكفي، بحسب سرينا، لأنّ ثمة قلقاً يعتري المتخرجين والمتخرجات، بشأن التكلفة الباهظة للإنتاج السينمائي والتسجيلي والجهات التي يمكن أن ترعى هذه الإبداعات في ظل تعميم ظاهرة الفيديو كليب. تقول سرينا: «أحلم بإنتاج عمل تسجيلي طويل، لكن لا إنتاج سينمائياً في لبنان، بل هناك اهتمام بما يدرّ أرباحاً سريعة، ولولا تدخل بعض التمويل الغربي أو الأوروبي، لكان كثير من الأعمال في السينما اليوم لا يرى النور».
من جهتها، اختارت تانيا شويري فيلماً تسجيلياً عن أولاد الشوارع الذين ترعاهم إحدى المؤسسات الاجتماعية. يتناول الفيلم أسباب تشرد الأطفال واتساع المسافة بينهم وبين ذويهم، ويتناول قصصهم اليومية، أحلامهم وأمنياتهم.
كان على تانيا أن تتقرب من الأولاد المشردين بعد إحالتهم على أحد المراكز الاجتماعية في لبنان، وتداوم معهم نحو أربعة أشهر حتى تتعرّف إلى تفاصيل معاناتهم. وبعد وثوقهم بها دارت الكاميرا، وشرع الأولاد يقولون، بلغة عفوية تنم عن تجربة مريرة، كل ما يمكن أن يقال.
يأتي فيلم تانيا بمثابة مأساة وفضيحة اجتماعية لظلم المجتمع والأهل والدولة: تسوّل ودعارة واعتداءات جنسية على قاصرين وقاصرات بالضرب والقهر، وهناك بالتالي مسارب للحب والانتظار المبدد للقلق والخوف، وأحلام بالمدرسة والعودة إلى حضن الأهل.
منحت واقعية تسجيلات تانيا فيلمها بعداً إنسانياً، يدعو وزارة الشؤون الاجتماعية إلى تبنيه وثيقة «تحريض» على الاهتمام الرعوي، ويفتح باب السؤال على مصراعيه: «أين تذهب الأموال التي تنفق هنا وهناك؟».
تبدو تانيا فخورة بعملها التسجيلي، لكونه يسلط الضوء على قضايا المجتمع، وينم عن قصص متنوعة تصلح كل واحدة منها لتكون فيلماً إنسانياً بحد ذاته. تقول: «أنجزت الفيلم بكل تفاصيله، حتى التصوير، لكن الأمر لا يبدد قلقي على التمويل والإنتاج لأفلام تراودني أو أحلم بها، مثلما تراود زملائي المتخرجين».
تستعد تانيا لتصوير فيلم التخرج في الدراسات العليا بعد إنجاز خمسة أفلام قصيرة وثلاثة توثيقية، كان آخرها في بلجيكا، ويتناول حياة فتاة في مرحلة «تدريب» عملي في النجارة. ونالت عليه التقدير، «هذه التجربة فتحت لي آفاقاً معرفية وأبواباً نحو أعمال خارج لبنان».
«أصوات معلّقة» لرنا معلم يطرح قضية عائلة مؤلفة من أم وولديها، بيسان ورياد، انتقلت من داخل الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني إلى شقة في بيروت، تاركة الأب الذي يقرر البقاء. هذه العائلة ترفض واقعها الجديد، إذ تقرر الأم الانقطاع عن حاضرها واستبداله بالماضي، عبر أشرطة راديو تصل من الأب.
أما فيلم «سنة حلوة» لليا ماريا فيروي الآتي: «كل عام تحتفل لوسيا وحدها بعيد ميلادها في نادٍ ليلي، وتنتظر مدعويها الذين لا يحضرون أبداً. في المقابل، يحتفل وليد بعيد ميلاده مع أصدقائه، يلتقي بفتاة تصحبه إلى بيتها لينهي ليلته بخيبة أمل. يتوه باتيست في شوارع المدينة مصمماً على العثور على كلب والدته الضائع. تنفخ ماري مع ابنها شمعة ميلاده من دون حلوى. تاريخ واحد، أربعة أعياد ميلاد، نتيجة واحدة: الفشل».
يذكر أنّ سرينا وليا ماريا وتانيا أنجزن أفلامهن في معهد الدراسات المسرحية والسمعية والمرئية والسينمائية في جامعة القديس يوسف. أما رنا معلم فتخرجت من قسم الدراسات السمعية البصرية في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (الألبا).
بدا واضحاً أن الأفلام الشبابية تخاطب الشباب خصوصاً، وإن اختلفت في المضمون والمعنى والرسائل، فلا يمكن العموم إدراك مغزى بعضها، من إشارات باتت متداولة بين الشباب، تشبه لغة الجيل الجديد، الذي هو بحد ذاته جيل صعب من حيث المزاج والاختيار والهوى والرغبات.


أصوات معلقة: الجائزة الأولى

حصد فيلم «أصوات معلقة» لرنا معلم، الجائزة الأولى في المهرجان السادس للأفلام الطلابية الذي ينظمه عادة «نادي لكل الناس» وتشارك فيه معظم الجامعات اللبنانية والعربية، بالتنسيق مع عدد من المخرجين الكبار. يقدم المهرجان مساحة لتشجيع المخرجين الشباب على المضي قدماً في أعمالهم. ويهدف إلى إطلاع الجمهور على المبادرات الفنية الشبابية وهواجسهم الذاتية، فيلتقون بجمهور الفن السابع.