«كوني جميلة واصمتي»، يحتمل هذا المثل الفرنسي بعض الإضافات، ويمكن ترداده «بتصرف» كأن نقول «إن لم تصمتي نستبدلك بدمية مثيرة أجمل منك». الدمى «السوبر واقعية» أو «الرفيقة من سيليكون» تعيدنا إلى عقلية «ذكورية» تخاف المرأة وتريدها مجرد دمية يتحكم بها صاحبها، ولكنها أيضاً انعكاس لـ«حاجة» عصرية، لرفيقة «صامتة» بعد نهارات عمل طويلة يعيش معها الرجل هواماته دون أن يدرك الخيبات التي سيغرق فيها
بيسان طي
لسنا في بغداد القديمة، ولا في قصور أو بيوت عربية تقفل شبابيكها بالمشربيات لتمنع الضوء عن «نساء» الحريم، ولا هي قصص سي السيد بطل ثلاثية نجيب محفوظ الذي لا يعترف بالزوجة أو الشريكة إلاّ دمية كالخاتم في إصبعه...
ثمة حريم عصري لا جنسية واحدة له، إنه نتاج ينتمي إلى مجتمعات ما بعد الحداثة، «حريم» مقره شقق عصرية، في مبانٍ جديدة، تحتل الآلات الكهربائية القسم الأكبر منها.
قد يكون هذا «الحريم» مجرد ظاهرة عابرة، ولكن الدمى «السوبر واقعية» بدأت تجتاح منازل الشبان في اليابان لتنتقل منها إلى مختلف دول العالم.
لنقل بداية إن ولادة هذه الدمى في اليابان قد يكون أمراً مفهوماً، هناك حيث بعض الدمى تأخذ في مسرح الكابوكي مثلاً بعداً أو وظيفة إنسانية، هناك نُفاجأ بالدمية تحرك حاجبيها لتنقل إحساساً عظيماً بالدور الذي تؤديه، وإن كانت تحتفظ بهويتها كدمية مسرحية. وقد يكون للأمر علاقة بالرغبة التي تبديها الشركات اليابانية في تقديم منتوجات ـــ روبوتات أو دمى ـــ تقوم بأعمال الإنسان.
الـ«love dolls» صارت تتمتع بشهرة عالمية، في فرنسا مثلاً تتخصص وكالة في استيرادها وتأمين الطلبات للزبائن في مختلف أنحاء البلاد. وهذه الدمى تُنتج في غير شركة ومصنع في اليابان، يبلغ متوسط سعر الدمية 4500 يورو، وقد يصل سعر بعضها إلى عشرة آلاف يورو، ويمكن تصنيعها حسب طلب الزيون، أي أن تُرسم ملامح الوجه أو المفاتن بمواصفات يحددها الزبون، واللافت أن الدمية أو «الرفيقة من السيليكون» تحمل غالباً تعابير ونظرات غامضة، «الرجل يحبّ المرأة الغامضة عادة» يكرر مندبو الشركات المصنّعة للدمى»، وقد تُصنع وجوه متعددة لدمية واحدة، يغيّرها صاحبها كلما ملّ من التأمل بالدمية.
نقلت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية حديثاً مع رجل ياباني يُدعى تابوو، يبلغ من العمر 45 عاماً، عازب يعيش حالياً مع 45 دمية في شقته الواسعة قرب طوكيو، وقد ردد «لا أعرف إن كنت أستطيع أن أحب امرأة حقيقية بعد اليوم، هذه الدمى كالأثاث في المنزل، ولكنها كقطعة جميلة». تابوو واحد من رجال يشترون الدمى، يلبسونها الثياب التي يختارونها لها، يعتنون بها، يحبونها ويحرّكونها كما يشاؤون. كأن ذلك حالة قصوى من تصرّف أو خيار نخبره حتى في بلادنا «كالرجال الراشدين الذين يتزوجون من فتيات في سن المراهقة أو أكبر قليلاً» تذكر الدكتورة سهى بيطار المعالجة النفسية، ألاّ يدل هذا الخيار عن بحث عن امرأة يسهل «التحكم بها» أي تحريكها؟
تلفت بيطار إلى أن العلاقة بين الرجل والمرأة مصدر يثري كلاً منهما، ولكن «في المبدأ، من الصعب أن يعيشا معاً، فأولوياتهما وعوالمهما مختلفة، كما تختلف اهتماماتهما وأسلوب كل منهما في التعابير، الهوى والعشق يجمعان شخصين»، وبعد فترة من العيش المشترك يمران بمرحلة من الذوبان بعضهما ببعض، لكن هذا الذوبان لا يمكن أن يستمر، ويشعر كل واحد بحاجته إلى مساحته. من هنا نفهم اختيار الشراكة مع دمية أو امرأة ـــ دمية (بصغتها اللبنانية ـــ العربية)، فالدمية «لا تطرح المنافسة، لا تُدخل الرجل في تحدّ جديد، لا تستفزه».
تقول بيطار إن «العلاقة بين الرجل والمرأة نموذج للعلاقات الإنسانية، ومن يفهمْ غنى هذه العلاقة يتحملْ صعوباتها ويتخطَّها»، وتذكّر بأننا نعيش في عصر تدفعنا فيه المجتمعات إلى البحث عن الاستمرار في العيش (survie)، ومن هنا نفهم إعلان شركة يابانية مصنعة لـ«love- dolls» بأن معظم زبائنها شبان تتراوح أعمارهم بين 20 و25 سنة، وهم «يسعون إلى تأسيس مسيرتهم المهنية، ولا يخصصون وقتاً للحياة الخاصة».
يمثّل تابوو الياباني نموذجاً لرجل تعب من التحديات، تلفت بيطار إلى أنه «يعيش هواماته مع لعبه، كأنه نسخة عصرية من هارون الرشيد»، ولكنها تؤكد أن هذه الدمى ستوصل أصحابها إلى خيبة أمل «لأنهم لن يجدوا الإشباع معها، وإن عاشوا هواماتهم... فالإشباع يتطلّب التفاعل والأخذ من الآخر مع الآخر»، وتضيف أن الإنسان يجد فرحه في العطاء، أي بأن تتضمن عملية التفاعل هذه الكثير من العطاء، وتستشهد بيطار في هذا الإطار بحديث قدسي جاء فيه «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق، فبي يعرفون».
بيطار تلفت إلى أن العواطف السلبية هي دليل «نقص في الحب» لدى صاحبها، وترى أن ظاهرة «الدمى السوبر واقعية، ستوصل الناس، على المستوى العام، إلى مزيد من البرودة في الحياة والعلاقات، وستزيد بالتالي الإحباط بينهم». ولكنها تؤكد أن «هذه الظاهرة ستُعاش لفترة لنشهد عودة عنها».


بديلة نجمات السينما

في بدايات عصر الصورة، مثّلت نجمات السينما النموذج الأجمل للمرأة، وكثيرة هي القصص التي تناقلتها المجلات الفنية عن «مجانين الفنانات»، وكثيرون هم الرجال الذين احتفظوا بصور النجمات ليعيشوا هواماتهم مع تلك الصور...
ومع انتشار الجراحات التجميلية، سعت ملايين النساء إلى التشبّه بالصورة «المثالية» والموحّدة للمرأة الجميلة، وذلك كله تلبية لرغبة رجال برؤية المرأة كصورة فقط، جميلة وفق المعايير السائدة. ولكن الجراحين يتحدثون عن نسبة كبيرة من النساء اللواتي يخضعن لعمليات متكررة، لأن العملية لم تجعلهن «نسخة طبق الأصل» عن هيفا أو نيكول كيدمان أو ...
السؤال المطروح حالياً: كيف تنافس النساء الدمى الجديدة؟ وهل من الممكن أن تقبل النساء بأن يتحوّلن إلى بديلات عن الدمية الميتة؟