مصطفى عجملكلّ طائفة أو مذهب في لبنان دارته الدينية التي تسهر على شؤون أبناء الطائفة، أقلّه من الناحية الدينية، وتتابع رجال الدين من أبناء الطائفة أو المذهب. وما نتطرق إليه في هذه العجالة هو دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية، انطلاقاً من إيماننا بأهمية هذه الدار والدور المنوط بصاحب السماحة، على الصعيد الوطني، إضافة إلى دوره على الصعيد الإسلامي. وما يدفعنا إلى ذلك محاولة إسداء النصح، قياساً إلى التجربة التي حصلت أخيراً في طرابلس، إذ جاء المفتي الدكتور الشيخ مالك الشعار بالانتخاب لا بالتعيين.
وقد استطاع أن يلعب دوراً محورياً في طرابلس في لمّ الشمل من جهة، وإبعاد الخلافات السياسية عن دار الفتوى من جهة ثانية. فهو لم يُحسب على فريق دون آخر، ولم يُقصر اتصالاته ولقاءاته على جهة دون غيرها، ولم يفرّط بموقع دار الفتوى أو يتنازل عن حق أو مطلب مشروع. وقد استطاع من خلال انفتاحه على الجميع أن يكون صلة التواصل بينهم رغم خلافاتهم السياسية، وأن يُسهم مباشرة في تخفيف الاحتقان ولجمه، الناتج في أغلب الأحيان من تصريحات السياسيين الذين لا يرون من الوطن والطائفة والمذهب إلا ما يخدم أهدافهم وأغراضهم.
ولمناسبة الشهر الفضيل، وتأسيساً على القاعدة القرآنية «وأمرهم شورى بينهم»،
ومن أجل إشراك المسلمين جميعاً في تقديم النصيحة والمشورة وإبداء الرأي، نرى لزاماً التذكير ببعض تصوّراتنا لإصلاح الجهاز الديني، لا سيما أننا كنا نتلقى الوعود بالإصلاح دون أن نصل إليه.
إنّ مفتي الجمهورية اللبنانية، وفقاً للمرسوم الاشتراعي الرقم 18/ 55 هو الرئيس
الديني للمسلمين، وهو الرئيس المباشر لجميع علمائهم، بمن فيهم مفتو المناطق.
إنه المرجع الأعلى للأوقاف الإسلامية ودوائر الإفتاء. ولقد أعطى المرسوم الاشتراعي، الآنف الذكر، لمفتي الجمهورية أوسع الصلاحيات، فبات كل عمل يقوم به له الأثر الأكبر على عموم المسلمين، سواء أصاب أم أخطأ «وجل من لا يخطئ».
من هنا، أصبحت الحاجة ماسّة لتعديل المرسوم الاشتراعي الآنف الذكر، لأنه صادر أولاً منذ أكثر من نصف قرن، وما أدراك ما حال المسلمين من اقتصار متعلميهم على فئة قليلة آنذاك، ولأن التجربة بيّنت القصور في بعض ما تضمنه المرسوم. ولأن صاحب السماحة المفتي الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني كان قد قطع عهداً على نفسه، عشية انتخابات المجلس الشرعي الأعلى بتاريخ 20/12/2005، بأنه سوف يطرح في أقرب فرصة ممكنة موضوع تعديل المرسوم نفسه.
إنّ المرسوم 18/55 يحتوي على 86 مادة ناظمة لجميع المؤسسات التابعة لدار الفتوى، بما فيها الأوقاف الإسلامية ومجالس إداراتها، وعليه فإنّ مواد كثيرة يتضمنها المرسوم تحتاج إلى التعديل، بما فيها صلاحيات مفتي الجمهورية... ومنذ 25/12/2005 تاريخ انتخاب المجلس الشرعي الجديد وحتى منتصف عام 2008، أي خلال ثلاثين شهراً، لم يجرِ سوى تعديل بسيط للمادة 29 المتعلقة بالهيئة الناخبة للمجلس الشرعي الأعلى ولمفتي المناطق والمجالس الإدارية للأوقاف.
ولللأسفــــ، فإن هذا التعديل اليتيم لم يكن بمستوى الطموح، وقد أثار ضجة كبيرة من جانب العديد من نقابـــــــات المهن الحرة ومؤسسات المجتمع المدني الإسلامي، لأنه لم يراعِ مصالح المسلمين كما يجب وكما ينبغي.
لقـــــــــــد كان لي شرف المساهــــــــــمة في تقديم جملة مقترحات لتعــــــــــديل المرسوم 18/55، وقد وضعتها في حينه بين يدي صاحب السماحة مفتي الجمهوريـــــــــــة بتاريخ 11/5/2006 وهي في تقديري صالحـــــــــــة وتطال صلاحيات القائمين على الجهاز الدينـــــــــي وتطوير مؤسسات دار الفتوى، وذلك بتوصيف أكثر دقة للمهمات وتحديد أدق للصلاحيات وتوزيع أشمل للأدوار.
وقد نشرتُ هذه المقترحات في حينه في العديد من الصحف المحلية، وهي تتناول مسألتين في غاية الأهمية، وبخاصة في ظل التحديات التي تواجه المسلمين وفي ظل زيادة وتيرة التطرف الذي يتخذ من القصور في النصوص، أو في سلوك بعض القائمين على تفسير هذه النصوص، تبريراً لتطرفه الذي يناقض وسطية الإسلام واعتداله، والمسألتان هما:
أولاً: الإسراع في تأليف المجلس الاستشاري المنصوص عنه في الفقرة «د» من المادة 3 من المرسوم 18/55 ليكون عوناً للمفتي، وليقدم الرأي والنصيحة والمشورة، وهو مجلس لا يتقاضى أعضاؤه رواتب ومهمته استشارية فحسب.
وثانياً: تطوير المعهد العالي للقضاء الشرعي التابع لدار الفتوى وتنظيمه، بحيث يصبح المؤسسة الدينية والأكاديمية التي ترفد القضاء الشرعي الإسلامي والجهاز
الديني للمسلمين في لبنان بالكفاءات اللازمة، وتضع حداً للمتاجرة والارتزاق والتفريط والإفراط في أمور الدين والدعوة إلى الإسلام، لا سيما ونحن نرى الأعداء جاهزين لاقتناص أي خطأ يصدر عن أصغر شيخ حتى ينسبوه إلى الإسلام خدمة لأهدافهم الخبيثة في محاربة الإسلام واعتباره، كما يقول بوش وأتباعه، «مصدر الإرهاب في العالم».
في شهر رمضان المبارك، ندعو الله العلي القدير لأن يبارك للمسلمين شهرهم الفضيل، مؤكدين على التراحـم والنصح والاهتمـــــــام مع كل الغيارى بشؤون المسلمين وقضاياهم، والعمل لأن تبقى دار الفتوى المرجعية الجامعة والموحدة لجهود المسلمين وطاقاتهم الخلاقة في إطار وحدة لبنان وحريته وعروبته واستقلـــــــاله وسيادته وتحرير كامل ترابه، لا سيما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء المحتل من بلدة الغجر.