ينطلق اليوم في بيروت «التحالف العربي ضد تغيّر المناخ» بمبادرة من «إندي ــ أكت»، وبالتعاون مع «شبكة المنظمات العربية» و«مؤسسة هاينرش بول». الشعار يبدو للوهلة الأولى جميلاً. لكن العرب لم يتحالفوا يوماً ضد العدوّ الظاهر الذي «احتل الأرض»، فماذا عن العدو المخفي الذي باشر بـ«احتلال السماء» الناتج من الوقود الأحفوري أو «الذهب الأسود»، مصدر غنى العرب وتعاستهم على حدّ سواء
بسّام القنطار
هل ستؤثر مبادرة أهلية مؤلفة من 19 منظمة غير حكومية، أطلقت على نفسها اسم «التحالف العربي ضد تغير المناخ»،

على مواقف الدول العربية في مسألة مكافحة تغير المناخ؟ التجارب السابقة لا توحي بالثقة، وخصوصاً أن الحملة غير حاضرة في الدول العربية النفطية التي تفتقد أصلاً إلى وجود فاعل وحيوي لمنظمات المجتمع المدني.
«تغيّر المناخ أكبر خطر يهدد معيشتنا، لكن الحكومات العربية لا تأخذ أيّ خطوات جدية لوقفه. والتحالف غير الحكومي الذي ينطلق اليوم سوف يسعى لتغيير هذا النمط من التعاطي الرسمي العربي في هذا الملف الحساس»، بحسب وائل حميدان المدير التنفيذي لرابطة الناشطين المستقلين «إندي ـــ أكت» المحفز الرئيسي لنشوء هذا «التحالف» بعد مرور قرابة عام على إطلاقها حملة خاصة حول الموضوع وإقامتها لعدد من الأنشطة في لبنان، أهمها مسيرة بيئية جمعت المئات من المشاركين.
وقد سعت «إندي ـــ أكت» إلى إشراك أكبر عدد من المهتمين بالتأثيرات المستقبلية لتغيّر المناخ، بهدف إطلاق «التحالف» الذي بات حاضراً في عشر دول عربية هي: المغرب، تونس، مصر، فلسطين، سوريا، لبنان، اليمن، جزر القمر، الأردن والبحرين.
المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد رأى أن الفرصة الذهبية أمام «التحالف»، لعرض وجهة نظره، تكمن في «القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الاستثنائية» التي ستعقد في الكويت خلال شهر كانون الثاني 2009. وأشار عبد الصمد إلى أنه في إطار التحضير لهذه القمة عقدت «الأمانة العامة لجامعة الدول العربية» مؤتمراً حول «دور المجتمع المدني في القمة» والسياسات التي يجب اتخاذها لتسهيل مشاركة المجتمع المدني في عملية التنمية.
ويرى عبد الصمد أن موضوع تغيّر المناخ يجب أن يدخل في صلب النقاش الاقتصادي والاجتماعي، وليس كموضوع بيئي مستقل. وأن يطرح بقوة في أروقة جامعة الدول العربية، مبدياً خشيته من أن يتم حصر مشاركة المجتمع المدني في القمة عبر دعوات تحددها لجان التنسيق في جامعة الدول العربية، مطالباً بأن يسمع صوت المنظمات الأهلية العربية داخل القمة وذلك عبر تخصيص جلسات يشارك فيها ممثلون رسميون للحكومات مع منظمات مختصة من المجتمع المدني. ومن المفيد أيضاً استضافة عدد من ممثلي المنظمات العربية غير الحكومية في إطار الجلسات الرسمية.
ومن المعلوم أن الموقف الرسمي العربي من موضوع تغيّر المناخ يختلف بين دولة عربية وأخرى باختلاف الأوضاع الاقتصادية والموارد الطبيعية لكل بلد. وتعدّ الدول العربية النفطية، وفي مقدّمها الممكلة العربية السعودية، من أكثر الدول معارضة للتوصيات الدولية التي تحثّ على استخدام الطاقات البديلة المتجددة. وينظر نشطاء البيئة بتفاؤل حذر إلى مبادرة كل من السعودية والكويت والإمارات وقطر بتقديم مبلغ 750 مليون دولار لدعم برنامج أبحاث في مجال التغيّر المناخي، وذلك خلال اجتماع القمة للدول المصدّرة للنفط «أوبك» أواخر عام 2007. وتركّز منظمة «أوبك»، التي تنتج 40 في المئة من النفط العالمي، على تطوير تقنية تواجه التغير المناخي من خلال التقاط ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه بدلاً من دعم الطاقة المتجددة. وتؤكد المنظمات المدافعة عن البيئة أن تجميع الكربون نوع من التفكير الخيالي يؤجل التحول إلى الطاقة المتجددة. ويقدّر أحد تقارير الوكالة الدولية للطاقة وجود سعة تحت الأرض لتخزين انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مدى 80 عاماً، أي نحو 2000 مليار طن، لكنه ذكر أن تكلفة تخزين ثاني أوكسيد الكربون ينبغي عندئذ أن تراوح بين 25 و30 دولاراً للطن الواحد كي تكون مجدية اقتصادياً، وهي تكلفة تزيد كثيراً على أسعاره في الأسواق العالمية.
وتؤكد مسؤولة الحملة العربية ضد تغير المناخ ليندا أراكليان أن «هناك بعض الدول العربية التي تحاول أن تعوق المفاوضات حول تغيّر المناخ». ولقد صنفت السعودية في أدنى مرتبة بين الدول في التعامل مع تغيّر المناخ، أي في مرتبة أقل حتى من الولايات المتحدة الأميركية.
أراكليان أكدت لـ«الأخبار» أن التحالف العربي ضد تغير المناخ هو نقلة نوعية باتجاه السعي إلى تعزيز النقاش حول أثر تغيّر المناخ في مختلف دول المشرق والمغرب العربي. وأعلنت أراكليان بدء التحضير لورشة عمل إقليمية حول: «سياسة تغيّر المناخ في العالم العربي لفترة ما بعد 2012» بتاريخ 14ــ 15 تشرين الأول 2008، الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع «مؤسسة عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الخارجية» ومؤسسة هاينرش بول، وسوف تشكل هذه الورشة فرصة لعقد أول اجتماع للتحالف العربي ضد تغيّر المناخ، إضافة إلى مشاركة العديد من مؤسسات القطاع العام والخاص في العالم العربي.
تجدر الإشارة إلى أن الأسبوع الماضي شهد انطلاق أحدث جولة من المحادثات المتعلقة بمعاهدة جديدة للمناخ في مدينة أكرا في غانا. ويحضر هذا الاجتماع الذي يستمر حتى 27 الجاري ممثلون عن 160 دولة. ومن المقرر أن يتم الاتفاق على المعاهدة الجديدة في كوبنهاغن بحلول نهاية عام 2009. ومحادثات أكرا هي الثالثة هذا العام في إطار سلسلة من جلسات الأمم المتحدة الثماني المقرر أن تنتهي بالتوصل إلى معاهدة في كوبنهاغن.