بدأت أمس الدورة الثانية لامتحانات البريفيه. حضر المراقبون. حضر الطلاب وأهاليهم. لكن بائع القهوة المتجوّل غاب. فالتعميم الذي صدر منذ أيام بالتشدد في «منع دخول مستثمري دكاكين المدارس إلى القاعات» تخوّف من الفوضى، فيما تحدث البعض عن غش محتمل يجره دخول البائع
رنا حايك
السابعة والنصف صباحاً. يبدأ الأهالي بالاحتشاد أمام البوابة الرئيسة لـ«ثانوية رمل الظريف المختلطة»، كما يفعل آخرون أمام بوابات مدارس رسمية أخرى تستقبل خلال هذا الأسبوع طلاب الدورة الثانية لامتحانات الشهادة المتوسطة (البريفيه). ينفض المراقبون بقايا نعاس عن عيونهم وهم يشقون طريقهم بين الأهالي. سيمضون اليوم أربع ساعات في مراقبة سير الامتحانات. لا أثر هنا لرائحة قهوة الصباح. فقد صدر منذ أيام قليلة تعميم عن المدير العام للتربية ورئيس اللجان الفاحصة فادي يرق دعا فيه «رؤساء مراكز الامتحانات للتشدد في منع البائعين المتجولين ومستثمري الحوانيت في الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة، من التجوال وبيع سلعهم في الأجنحة الخاصة بغرف الامتحانات، تحت طائلة المسؤولية».
لم يظهر بائعو القهوة صباح أمس أمام المدارس. يؤكد حاجب «مدرسة رمل الظريف المختلطة» أنهم كانوا يأتون خلال الدورات السابقة لكنهم كانوا يبقون أمام البوابة، إذ لم يسمح لهم يوماً بالدخول. «الدركي» الرابض على البوابة يؤكد ذلك. فيقول إنهم كانوا يأتون نحو السادسة صباحاً «بيوقفوا بعيد وبيطقّشوا بالفناجين». يشدد على «استحالة أن ندعهم يدخلون. وإلا لكنّا قد حررنا محاضر ضبط بحقهم تسمى محاضر تبسيط». يشرح «الدركي» أنّ جزاء هذه المحاضر يراوح بين 100 ألف و600 ألف ليرة لبنانية، «وخصوصاً أنّ وجودهم غير ضروري، لأن وزارة التربية والتعليم العالي تصرف 20 ألف ليرة يومياً لكل مدرسة يوجد فيها مراقبون، ثمن قهوة».
يحكي «الدركي» الذي يكلّف منذ 9 سنوات بتوفير الأمن في المدارس خلال الامتحانات الرسمية أنّ لبائعي القهوة أساليبهم الخاصة في الالتفاف على القانون، «إذ يتعمّدون الوقوف أحياناً في أماكن تطلّ على المدرسة لكن حراستها تتبع إلى «سرية» أخرى. فيراهم «الدركي» ولكن يتعذّر عليه مساءلتهم قانونياً». ويضيف «في أحيان أخرى، يتلطّون في الشوارع المحاذية لمركز الامتحانات بحيث يقصدهم الأهالي من دون أن يراهم الدرك».
أما الأهالي، فشهاداتهم مختلفة تماماً «كان في كثير بياعين بمدرسة لور مغيزل بالأشرفية!»، يقول البعض. «في الجعيتاوي، كان ناطور المدرسة يعمل قهوة ويبيعنا الفنجان بـخمسمية»، تقول إحدى الأمهات وهي تضحك من دون أن تعلق على القرار نفسه.
«رسل محبة ومعلومات»، هكذا تصف إحدى الطالبات ممن قدّمن امتحانات البكالوريا في عام 2003 مهمة الباعة المتجولين الذين حرمت أمس وجودهم مراكز الامتحانات. يتجاوزون «أحياناً» وظيفتهم الأساسية ليسهموا في «مساعدة» بعض الطلاب، بنقل معلومة من هنا أو «روشتة» من هناك.
تعبّر إحدى المدرّسات التي تراقب الامتحانات منذ 20 عاماً، عن سعادتها بالقرار. فهي، تجد الباعة مزعجين. لكنها كانت وزملاءها يتفادون الاحتجاج رسمياً على وجودهم «لأسباب إنسانية»، كما قالت من دون أن توافق على ذكر اسمها منعاً للإحراج، ففي ذلك «قطع رزق ..حرام». وتوافق المراقبة على أنّ وجود الباعة مثير للفوضى في القاعات و«يستغله بعض الطلاب لإثارة الجلبة». وهي جلبة «يستفيد» منها بعض الطلاب. وتضيف «غيابهم لا يؤثّر حقيقة على المراقبين الذين تقدّم إليهم المدارس القهوة وأحياناً وجبة الإفطار والمياه».
جاء التعميم الرقم 109 واضحاً في بنوده: هو يستهدف فئة مستثمري الدكاكين في المدارس. لكنه، بطريقه «طفّش» بقية المسترزقين.


التعميم الرقم 109

يشرح المدير العام للتربية، رئيس اللجان الفاحصة، فادي يرق، أن المستهدَفين من التعميم الرقم 109 هم مستثمرو الدكاكين والحوانيت التي تقع «داخل مراكز الامتحانات»، فهؤلاء كانوا يجولون أحياناً داخل القاعات لبيع سلعهم، وهو أمر يرفضه يرق، لأنه «يشتّت ذهن الطالب ويقلّل من إنتاجية المراقب».
يؤكد يرق أنّ الهدف من وراء هذا التعميم هو «ضبط الوضع داخل قاعات الامتحان والحدّ من الفوضى لخلق الأجواء المناسبة للطالب»، لا «منع المراقبين من احتساء القهوة»، كما قال. فهم، يضيف، «أحرار خلال الوقت المستقطع بين مادتي امتحان، أما خلال المراقبة، فهم يؤدون واجبهم المهني، بالضبط كما لو كانوا يحاضرون في الصف. وهل يحاضر الأستاذ وبيده فنجان قهوة وسيجارة؟».