التأجيل» سمة يتميز بها القضاء، إذ إن بتّ الملفات يتطلب سنوات. هذا الوضع مألوف عندما يكون سبب التأجيل عائداً إلى عدم اكتمال آلية إجراءات المحاكمة لكنه شاذّ عن المألوف عندما يكون السبب ناجماً عن تقاعس السلطات القضائية نفسها
النبطية ــ سوزان هاشم
الجلسات في محكمة جنايات النبطية باتت مشلولة لغياب أحد أعضاء الهيئة بصورة شبه دائمة وبنسبة تتعدى الـ40%، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن إهمال القوى الأمنية إحضار الموقوفين إلى المحكمة خلال جلساتهم يحول دون استجوابهم ما يؤخّر النظر في ملفاتهم.
وفي الجلسة السادسة من محاكمته، يأتي أحمد (المخلى سبيله) إلى قصر العدل في النبطية، قاطعاً مسافات طويلة من بلدته بنت جبيل الجنوبية عسى «أن تبت محكمة الجنايات قضيته وتحكم له بالبراءة»، كما وعده المحامي. وبعد انتظار... تُعقد الجلسة بدخول أعضاء المحكمة يتبعهم موظفو القلم المنهمكون بحمل عشرات الملفات التي جار عليها الزمن، ويجلس كل منهم في مكانه ولكن تبقى كرسي أحد مستشاري الرئيس شاغرة، شغور من شأنه أن يفرغ القضاء من مضمون عمله ومهماته، فلا صدور للأحكام في ظل عدم اكتمال الهيئة، وليس أمام المحكمة سوى تأجيل الجلسات إلى أجل غير مسمى. هكذا يغادر أحمد المحكمة خائباً للمرة السادسة، فالتخطيط لمشروعه المهني بات معلّقاً على اجتماع الهيئة، الاستياء يبدو واضحاً أيضاً على وجوه جميع الحاضرين في المحكمة الذين يتكبّدون عناء المجيء إليها دون نتيجة. فالوضع في هذه المحكمة لم يعد مألوفاً، إذ إن نسبة غياب أحد أعضاء الهيئة عن الجلسات تصل إلى الـ40%، ما يشل عملها ومهماتها في إحقاق الحق، ويؤثر سلباً على فاعلية القضاء. وفي هذا السياق يشير المحامي سمير فياض إلى أنه «لا يوجد مبرر لعدم انعقاد الهيئة، ففي القانون وفي حال غياب أحد القضاة يمكن الاستعانة بآخر عن طريق التكليف، ولكن المشكلة الأساسية تعود إلى النقص قي عدد القضاة بشكل عام وفي معظم المحاكم اللبنانية لا في النبطية فقط،» ويستغرب فياض «تأخر إصدار مرسوم التشكيلات القضائية حتى الآن، بالرغم من تخرّج عشرات القضاة من معهد القضاة، إذ إن ذلك النقص يؤثر في عمل المحكمة، فبعض القضاة يقوم بمهمات محكمتين. ومن أسباب الغياب أيضاً في النبطية اقتراب أحد القضاة من التقاعد». وسبب غياب القضاة يعزوه فياض إلى «الشلل الكامن في أعمال التفتيش، ما يؤثر في نشاط القضاء وفاعليته، فالمحاسبة غائبة في ظل التدخلات السياسية ما يخلق جواً من التراخي لانتفاء وجود رادع ومحاسبة جدية». من هنا يتابع فياض «ينبغي تعزيز الجسم القضائي بعدد كاف من القضاة، وتفعيل عمل التفتيش، واستقلال القضاء وعدم التدخل السياسي، ولا سيما في التشكيلات القضائية، كما لا يجوز أن يغيب القاضي دون أن يبرّر غيابه».

الإهمال في إحضار الموقوفين

مشكلة أخرى تعرقل عمل محكمة جنايات النبطية، وهي الامتناع عن إحضار الموقوفين في مواعيد انعقاد الجلسات المبلّغة قانوناً، من أماكن توقيفهم إلى المحكمة. أما الذريعة بحسب ما يشير أحد موظفي المحكمة، فهي عدم توافر آليات لقوى الأمن الداخلي لنقل الموقوفين في بعض الأحيان، أو تقاطع مواعيد الجلسات في النبطية مع جلسات في محاكم أخرى. ولا يخلو السبب أيضاً من وجود تقاعس ملحوظ «فمحكمة النبطية مهملة ومهمشة من جانب السلطات المختصة»، يعلق الموظّف.