علي درويش *في ذلك الوقت، ومع دخول الموضوع البيئي في صدارة الاهتمامات، بدأ معظم «أمراء الطوائف» بإنشاء جمعياتهم البيئية الخاصة لاستقطاب المناصرين، والأهم من ذلك هو الأموال الآتية من الجهات الدولية المانحة. كانت تلك الخطوات بمثابة بداية تفريق الحركة البيئية وشرذمتها وإفقادها لصدقيّتها.
في عام 1999، واستشعاراً منهم بالوضع ورؤيتهم القائلة بأنه لا بد لهذه الحركة الأهلية البيئية من الانتقال إلى العمل السياسي كي تصل إلى أهدافها التغييرية، تنادى عدد من الناشطين الملتزمين وبدأوا مشاورات حول كيفية إطلاق حركة سياسية بيئية تنموية تغييرية هدفها الوصول إلى السلطة والمشاركة فيها.
ونظراً لأهمية الموضوع وحساسيته في هذا المجتمع الفريد (سلبياً) في تركيبته، امتدت النقاشات لبضع سنوات. ما لم ينتبه له هؤلاء أن هناك من كان يشاركهم الاجتماعات والنقاشات، بينما عينه في مكان آخر. وفجأة في عام 2004، طلع النائب أكرم شهيب في إحدى الندوات الجامعية محاضراً وأعلن أن حزباً جديداً هو «حزب الخضر» قد تأسس. كان للخبر وقع الصدمة لدى من كانوا يحضرون لهذه الخطوة، ليس لأن سعادته أسّس حزباً بل بسبب الطريقة المتبعة. فعند سؤال كبير مستشاري النائب عن الدافع وراء خطوة من هذا النوع، أجاب بأن شهيّب ارتأى أن الوضع مناسب وأن وزير الداخلية حينها قد وافق على منحه العلم والخبر بسرعة «شرط أن لا يتضمّن بعض الأسماء المشاكسة» على حدّ تعبير المصدر. (بالمناسبة كان اسم «الخضر» هو الاسم الذي كان الناشطون المشاكسون لحزبه قد اختاروه.
وعند سؤال المستشار ذاته عمّا إذا كان سعادته ومن معه قد وضعوا مبادئ أو أيديولوجيا لحزبهم، وعن كيفية رؤية الناس لحزب رئيسه المؤسّس هو قيادي في حزب له زعيم، جاءت الأجوبة غريبة عجيبة طبعاً.
التأسيس الشكلي على الورق يسبق وضع أية مبادئ أو نصوص للحزب الجديد. وأما كون الرئيس المؤسس أنه قيادي تقدمي اشتراكي فهو ليس بمشكلة حتى لو قال وليد جنبلاط لسائليه عن هذا الموضوع بالتحديد «أراد أكرم أن يؤسس حزباً! فليكن، ولكن بالنهاية أكرم لي وعندي». وبعد التأسيس، ذهب «الخضر» وحزبهم إلى سباتٍ عميق، فكان رئيسهم منشغلاً بالمساهمة في إشعال الأزمة التي تخبّط بها هذا البلد لسنوات ثلاث. في هذه الفترة تابع بعض المشاكسين عملهم وأسسوا «حزب البيئة اللبناني».
اليوم، لماذا الاستفاقة على إعادة الإطلاق ولماذا الآن؟
من المهم الالتفات إلى مداخلة النائب شهيب عن نظرته لحزب يكون أداة ضغط، لا أداة تغيير. هل يريده أداة لدى حزبه الأم للاستغلال عند الحاجة؟ أما عن رغبته في لمّ جمع الجمعيات البيئية المشتتة، فهذا ليس من مهمات الحزب، أي حزب، إضافة إلى أن سعادة النائب يعرف تماماً أنّ من فرّق الجمعيات وشتتها هم زعماء السياسة والطوائف عبر تأسيس جمعياتهم الخاصة التي تخدم مصالحهم وأهواءهم بدل القضية.
أما عن تنصيب السيد فيليب سكاف رئيساً لهذا الحزب، نظراً لإمكاناته المادية بالتأكيد وربما العائلية منافساً لقرابته في زحلة العام المقبل.
هناك حادثة لا بد من التعريج عليها. فمنذ خمسة أشهر تقريباً، كلّف السيد سكاف أحد الصحافيين بإنتاج فيلم وثائقي عن «البيئة في لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم». وعليه، قام هذا الشخص بالاتصال بالجمعيات والأشخاص الناشطين، طالباً المساعدة والمعلومات. وافق عدد من الزملاء والأصدقاء شرط ألا يتم استغلال هذا العمل في أية دعاية لأي حزب سياسي.
وإذ بنا نفاجأ بتوزيع قرص مدمج عنوانه «البيئة في لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم» كإحدى وثائق حزب «الخضر» في حفل إطلاقه. ونتساءل هنا، إذا كانت بداية الحزب بصورة رئيسه المعيّن تتضمن الاحتيال والكذب على من يعتبرهم شركاء في القضية، فماذا ينتظرنا منه في المستقبل؟
القضية البيئية هي أسلوب حياة وفلسفة قائمة بذاتها. والعمل السياسي البيئي ليس أداة ضغط لأي من السياسيين، بدءاً بالنائب شهيب وصولاً إلى أي حزب أو تيار سياسي.
نصيحتنا لكم، أقلعوا عن محاولاتكم المستمرة «لخردقة» وتشتيت وتشويه الحركة البيئية. لكم أحزابكم ففصِّلوا فيها استراتيجياتكم البيئية التنموية وناضلوا من أجلها انطلاقاً من كتلكم النيابية علّها تصبح ذات فائدة؛ واتركوا لنا أحزابنا...
لا معنى لحركة بيئية سياسية إذا لم يكن هدفها المعلن الوصول إلى السلطة والقرار أو المشاركة فيهما. لا معنى لها إذا لم تكن مستقلة عن التيارات السياسية كلياً، فلا يمكن لك أن تكون من حزب ملتزماً مع أي حزب من «الأحزاب اللبنانية».
ولا بد من التساؤل عن مغزى كلمة «اللبنانيون» بعد كلمة «الخضر»! أليس واضحاً أنهم في لبنان، أم هو تمييز للدلالة على أن لا مكان إلا للبنانيين «الفينيقيين ربما» في هذا الحزب... اقرأوا مداخلة فيليب سكاف!
ونكتفي بهذا القدر علّ من قام بهذه الأفعال يعود إلى رشده ويقلع عن التمادي بها. فالعمل البيئي ليس مشاريع تجارية تطمح إلى تقويض الدولة لمصلحة مؤسسات الزعامة كما تم التعاطي مع موضوع التلوث البحري وحرائق الغابات.
* كاتب وناشط في قضايا البيئة والتنمية