ولدت في الحرب، عام 1985 تحديداً، لكنني لا أذكر منها سوى الجلوس على الدرج وأكل «البيكون» والبطاطا المسلوقة مرفقة بحكايات «تيتا ثريا» عن أيام العزّ في سوق الغرب. لذا قد أرغب اليوم في حرب جديدة لأكوّن ذاكرتي الخاصة، تلك التي سأرويها لأبنائي يوماً ما، تماماً كما يفعل أهلي. ولكن لحظة، ماذا سأقول لهم تحديداً؟ ستكون قصتي مختلفة عن تلك التي سمعتها في طفولتي. لن أتمكّن من تكرار عبارة «الإسلام بدّن يقتلونا» أو «إجا الغريب الفلسطيني واجتاح الشرقية»، فأولادي هم «الغريب». لن تنجح القصّة. يجب أن أروي «حدوتة» أخرى عن اليساري الذي قاتل في الدامور، وها هو يقاتل اليوم إلى جانب السلفيّين في طرابلس (كيف لا وهو نائبهم الأغرّ)، أو عن الذي أباد الفلسطينيّين في مخيّمات الجنوب، وينادي اليوم صباحاً ومساءً بحقوقهم وعودتهم المفترضة.
أنا أحبّ الحياة، والله أحبّها، ولكن المؤشّرات كلها توضح أن عودة الحرب لن تطول، ومن حقّي أن اتحدّث عن رغبتي، فقد أموت في قذيفة طائشة أو رصاصة أخطأت مسارها (أو لم تخطئها). وهذا بلدي، كما هو بلد الجميع، ومن حقّي أيضاً الاستمتاع بحرب لا حول لي ولا قوة فيها. ستختلف الحرب. سترسم متاريس جديدة، والأرجح أنّ عبارة «الشرقية والغربية» ستستبدل بـ«جنوبية وشمالية»، ولن تكون أغاني مارسيل خليفة صالحة يومها.
سأوري لهم حكايات ألف ليلة وليلة، إلا أن أمراً واحداً لن يتغيّر. سيبقى أمراء الحرب موجودين مع ربطات أعناقهم وحشودهم المليونية التي تصفّق لهم، سيَقتلون من جهة ويطالبون بكفّ اليد الخارجية عن لبنان من جهة أخرى.
نحنا مع مين؟ سيسألني الأولاد. نحن ضدّ اليمين المسيحي، وضدّ القوى الطائفية، وضدّ السلفية بكل أشكالها، وضد «المتشيوعين» وضد لبنان «يلي قوتو بضعفو»، وضد كل المتقاتلين، نحن مع الفريق الذي لن ينسى أن في الجهة المقابلة للحدود احتلالاً انقلب على ظهره من الضحك أثناء مشاهدته إيّانا نتقاتل.
ليال...