كتاب المعلومات بات أداة للانتقام السياسي يلجأ إليه المخبرون، ويفاجأ المُخلى سبيلهم بوجود كتب معلومات لدى النيابات العامة ما يؤدي إلى إعادة توقيفهم لأيام من دون أي مسوّغ شرعي. محكمة جنايات طرابلس حدّدت قيمة «المعلومات»
طرابلس ـ خالد سليمان
بري العبد الله (مكتوم القيد من وادي خالد) أوقف مدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر بين سجن حلبا والنيابة العامة التمييزية وسجن رومية، بناءً على كتاب معلومات ورد إلى مفرزة استقصاء حلبا التي قامت بتوقيفه بتهمة الانتماء إلى «فتح الإسلام» وتأليف عصابة مسلّحة.
العبد الله، الذي أخلي سبيله منذ فترة وجيزة من دون أن يوجّه إليه القضاء أية تهمة، قال إن أحد جيرانه المخبرين وشى به إلى السلطات الأمنية لأسباب سياسية، لكونه مسؤولاً في الحزب القومي، متسائلاً: من يحمي المواطن من ظلم المخبرين؟
محكمة الجنايات في طرابلس، المؤلفة من الرئيس منير عبد الله وعضوية المستشارين حسام النجار وبسام الحاج، قضت بإسقاط حكم غيابي بالأشغال الشاقة المؤبدة عن مجموعة من المتهمين استند إلى كتاب معلومات وارد إلى المديرية العامة للأمن الداخلي، وقضت بتبرئتهم وإطلاق سراحهم.
وقالت المحكمة إن كتاب المعلومات، وإن كان يعدّ منطلقاً للملاحقة الجزائية بما يتضمنه من وقائع ومعطيات، إلا أن الاتهام والإدانة لا يمكن أن يوجههما (كتاب المعلومات) إلى المعنيين به إلا إذا وفّرت هذه الملاحقة أدلة وقرائن ومعطيات تثبت صحة المعلومات الواردة فيه. وورد في وقائع الحكم أنه «استناداً إلى كتب المعلومات الواردة إلى المديرية العامة لقوى الأمن خلال عام 2003، أقدم المتهمون خ.م وخ.ل وخ.م ود.ط وع.م بالاشتراك مع آخرين على تأليف عصابة مسلّحة من أجل ارتكاب الجنايات على الناس والممتلكات والنيل من سلطة الدولة وهيبتها والقيام بأعمال التهريب والاتجار بالسلاح في مخيم نهر البارد ومنطقة البداوي والتبانة وتهريب اللحوم والمواد الغذائية بصورة غير مشروعة من سوريا إلى لبنان».
وتبيّن أن كتاب المعلومات أحيل إلى المراجع الأمنية المختصة للتحقيق مع المعنيين به، إلا أنه لم يمثل أحد منهم للتحقيق معه، على الرغم من إبلاغهم بواسطة اللجنة الأمنية المختصة داخل المخيم، وتواروا عن الأنظار، فصدرت بحق معظمهم مذكرات توقيف غيابية عن قاضي التحقيق، وألقي القبض على المتهمين واستحضروا أمام محكمة الجنايات، إنفاذاً لهذه المذكرات، فأنكروا صحة التهمة المسندة إليهم، وأيضاً صحة الوقائع الواردة في كتاب المعلومات، وبرر بعض المتهمين تنطيم كتاب المعلومات بحقهم بالرغبة في الانتقام السياسي من جانب بعض المخبرين. بينما خلصت محكمة الجنايات في طرابلس إلى القول إن جميع الأفعال الجرمية المسندة إلى المتهمين قد ارتكزت إلى ما ورد في كتاب المعلومات.
المديرية أحالت هذا الكتاب إلى المراجع الأمنية المختصة للتحقيق والاستقصاء عن صحة المعلومات الواردة فيه بحق الأشخاص الذين تناولهم، ولم تأت تلك التحقيقات والاستقصاءات بأدلة قاطعة على تورّط المتهمين بالأفعال الجرمية المسندة إليهم. فصدر نصّ الحكم: «لا يسع هذه المحكمة سوى تبرئتهم من التهمة المساقة بحقهم لعدم كفاية الدليل، وإطلاق سراحهم فوراً».
بلاغ البحث والتحري؟
مصدر أمني قال لـ«الأخبار» إن كتاب المعلومات يُبنى على ما تقوم به السلطات الأمنية (قوى أمن داخلي ــــ أمن عام ــــ استخبارات الجيش) من تحقيقات عن ارتكاب جرائم أو ما يردها من معلومات من المخبرين، وتحال هذه الكتب إلى النيابة العامة التي تقرر التوسع في التحقيق أو تحفظ الملف».
ورداً على سؤال عن قانونية التوقيف المبني على كتب المعلومات، قال المصدر إن الأمر يجري تحت إشراف النيابات العامة، وهي التي تقرر التوقيف أو لا، مضيفاً أن كتاب المعلومات يختلف عن بلاغ البحث والتحري الذي يصدر بحق شخص معروف لكنه متوار عن الأنظار أو مجهول محل الإقامة، أما كتاب المعلومات فهو مجرد معلومات عن ارتكاب أحد الأشخاص لجريمة ما».
وعن دور المخبر، قال مسؤول أمني آخر إن كتب المعلومات تستند في أغلب الأحيان إلى ما يرد المراجع الأمنية من معلومات من المخبرين الذين قد يتعسّفون لدوافع سياسية أو طائفية أو أحياناً كيدية من دون أية ضمانات، مضيفاً أن «هناك ثغرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية يجب العمل على تصحيحها».
من جهته، قال مصدر قضائي لـ«الأخبار» إن ما يسمى كتاب المعلومات غير منصوص عليه في قانون الأصول الجزائية، وهو مجرد إخبار يصل إلى الضابطة العدلية التي تتولى الاستقصاءات والتحقيقات بشأن صحة ما ورد في الكتاب، وتقرر بعد ذلك إحالته إلى القضاء، ولا يمثّل بالضرورة منطلقاً لتحريك الدعوى العامة، مؤيّداً ما جاء في قرار محكمة الجنايات في طرابلس.