موسى الحسينيهل حبّ المرء لبني قومه تعصّب؟ سؤال كان قد طرح على زين العابدين علي بن الحسين، فأجاب عليه السلام: حبّ المرء لقومه ليس تعصباً، وإنما التعصّب هو حب المرء لأشرار قومه وتفضيلهم على أخيار قوم آخرين.
القضية إذاً مرتبطة بالخير والشر والبر والإثم لا بصلة الدم والرحم فقط، إلاّ إذا استوفت شرطها من الخير والصلاح والعدل والسماح. هنا يطرح سؤال نفسه: ما هي الطبيعة العاطفية التي تجمع التيار السلفي بتيّار الحريري؟ هل هو من قبيل البر والتقوى، أم من قبيل التعصّب الأعمى؟
التيّاران كما هو معلوم مختلفان شكلاً ومضموناً. تيار الحريري ليبرالي منفتح، يدعو إلى علاقات طبيعية مع الغرب، وإقامة نظام شبه علماني في الإدارات والمؤسسات. أما التيار السلفي فمتمسّك بخط السلف الذي يتطلب التشبّث بعادات وتقاليد في بيئة محافظة يحكمها مبدأ الحلال والحرام والقواعد الدينية الصارمة.
فلو انطلقنا من مسألة الالتزام بالأحكام الشرعية، لرأينا هذه المساحة غير صالحة
للجمع بين التيّارين. فلا يمكن لمن يلتزم بتحريم اللهو ومشتقّاته أن يلتقي مع
تلفزيون «المستقبل» وأدواته، من ليل مفتوح إلى «سوبر ستار» وخلافه. مساحة التباعد تأخذ وتيرة أسرع حين نأتي إلى الشق السياسي. فالحريري يدخل إلى البيت الأبيض كما يدخل إلى قريطم، فيما ينظر السلفيّون اللبنانيون إلى أنفسهم كجزء من سلفيي العالم الذين تضطهدهم الإدارة الأميركية وترمقهم كهدف عدوّ في حربها على الإرهاب.
طيّب، إذا كانت الخلفية الثقافية والمقاصد السياسية لم تجمع بين التيّارين، فما هو هذا الحب الذي يجمع بين الفئتين؟ منذ اغتيال الرئيس الحريري والسجون اللبنانية تُملأ يوماً بعد يوم بأعداد من السلفيين المتّهمين بأعمال إرهابية. وسعد الحريري يلقي الوعود من حين لآخر بالمساعدة على إطلاق السجناء ولا يفعل.
والتيار السلفي لا يتوقّف عن ترداد اللازمة أن المرجعية السياسية في شؤون الطائفة هي لتيار «المستقبل»، فهل هو حب من طرف واحد؟ أم الأكمة تخفي شيئاً وراءها؟ هنا تأتي أهمية ورقة التفاهم المجمّدة التي كانت ستؤمّن للسلفيين خاصةً حماية أكيدة من خلال حزب الله الذي ألزم نفسه، حسبما نصّت تلك الورقة، برفع الغبن والظلم عنهم، وتأمين دورهم ومشاركتهم في الحياة السياسية. بالتأكيد لا يتحمل أيّ من الطرفين مسؤولية تجميد الاتفاق، فالضغوط والتهديدات التي تعرض لها الدكتور حسن الشهال كانت هائلة بكل المعايير، فيما نجاح حزب لله في ورقة التفاهم الوطني التي أبرمها سابقاً مع العماد عون دليل على كفاءته في تذليل الخلافات، ومرونته في الوصول إلى التسويات والالتزام بها.
الغريب في الأمر هو أنّ القواسم المشتركة بين حزب الله والتيّار السلفي بجناحيه المؤيد والمعارض للتقارب مع الحزب، والتي هي قطعاً أكثر بكثير مما بين الحزب والتيار الوطني الحرّ، لم تمنع سقوط الوثيقة التي وقّعها طرفان تجمع بينهما ثقافة الانطلاق من الشريعة وأحكامها، وتوّحد رؤيتهما السياسية خصومتهما العميقة للإدارة الأميركية. وبالعودة إلى الصحف السعودية الصادرة في الأيام الماضية، يُصاب المرء بالدهشة. فقبل يومين، لوّح عبد الرحمن الراشد بسبابته في وجه داعي الشهال وسائر أقرانه، المحسوبين على السعودية، من شيوخ السلفية اللبنانيين
الذين قد يفكّرون في قيادة الطائفة على طريقة الولي الفقيه الشيعية، لأن السنّة لهم ولاة أمر يرجعون إليهم في مختلف الشؤون.
كلام الراشد لو أردنا صرفه سياسياً فهو خطير للغاية، ويحتمل معاني كبيرة، أدناها هو أن السعودية ترفض أي دور للسلفيين يتجاوز مهمتهم المرسومة والدّائمة، وهي تسخين الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل ورفدها بالدماء الحامية. وأقصاها هو أن تكون السلفيّة في شمال لبنان الكبش السمين المسمّن الذي سيقدّم أضحية على مذبح التقارب السعودي السوري قريباً وقريباً جداً.
ترى ما هو دافع الشيخ داعي الشهّال للوقوف ضد إخوانه السلفيين وضدّ تقاربهم مع المقاومة لمصلحة تيار الحريري؟ هل هو الحب أم التعصب؟