وائل يحيىإخوتي وأخواتي في المواطنية. من أجل بناء الدولة القوية العادلة، يجب أن نختار قانون انتخابي عصري، ولمرة واحدة، وإلى الأبد، وهذا القانون ما هو إلّا النسبية حيث يكون لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي.
هذا القانون هو السبيل للوصول إلى الدولة التي ننشدها، أما الأنظمة الأخرى، وخصوصاً التي طبّقها لبنان من قبل، مثل قانون الستين والألفين (قانون غازي كنعان) وغيرهما، فقد كانت على قياس أشخاص، ولم تكن قوانين لبناء دولة عصرية. لهذا أطلب من جمهور «دولة المؤسسات» وقفة صلبة بوجه المتآمرين على «لبنان الدولة»، وبوجه كل من يعمل لقانون انتخابي يأتي على قياسه لا على قياس الوطن كلّه.
أمس، حصل تجمّع أمام المجلس النيابي ضدّ هؤلاء، وللقول لهم إننا لا نرضى بأقل من قانون على أساس النسبية ولبنان فيه دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي، حتى نأتي بممثّلي الأمة الحقيقيين، لا بمن يصادر قرار الأمة جمعاء.
إنّ نظام التمثيل النسبي من شأنه ضمان تمثيل أكثر عدالة وشمولاً من النظام الأكثري المعمول به حالياً، كما من شأنه القضاء على ظاهرة المحادل في الانتخابات النيابية التي تحدّ من فعالية الممارسة الديموقراطية.
إن النظام الأكثري في الدوائر الفردية والصغرى يساعد على الشرذمة، بينما يؤدي في الدوائر الكبرى إلى الهيمنة، فيما النظام النسبي، في الدوائر الكبرى، وفي واقع لبنان الراهن، يحدّ من الشرذمة، ويحقق التمثيل الصحيح والعادل والمتوازن، ويساعد بالتالي على تصحيح مسار اللعبة البرلمانية بين الموالاة والمعارضة. الحدّ من التشرذم يحصل عند قيام تحالفات بين قوى سياسية متعددة في لوائح انتخابية موحدة، ووحدة البرنامج الذي تعتمده اللائحة في خوضها غمار المعركة الانتخابية. إذاً، النسبية تأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة وتلغي الانتخاب الفردي. هذا سيؤدي إلى تعزيز دور الأحزاب، لأنها تعيد الاعتبار إلى السياسة وتفرض على المواطن أن يفكر بمنطق سياسي وأن يختار الاتجاه السياسي الأقرب إلى عقله وقلبه. إضافة إلى ذلك، فإن نظام التمثيل النسبي يُساعد على وجود معارضة قويّة تتولاها أحزاب الأقلية في البرلمان، ما يحول دون استبداد حزب الأغلبية بشؤون الحكم، وهذا يعني حصول الأحزاب الصغيرة والمتوسطة على حصة من المقاعد تُوازي درجة التأييد الذي تتمتع به بين الناخبين وتُحافظ بذلك على وجودها.
من بين الدول الغربية التي تأخذ بهذا النظام بلجيكا (1899) والسويد (1908) وفرنسا (1945) ودول أخرى. إن النظام النسبي في لبنان يلطّف من حدّة العصبيات الطائفية ويساعد على تجاوز الحالة الطائفية. أما التشتّت الذي تدفعه النسبية نتيجة لعدالتها في توزيع المقاعد، يمكن الحدّ منه عن طريق وضع حدّ أدنى. فيفرض على اللوائح أن تحرز حداً أدنى من الأصوات حتى تتمكن من الحصول على مقاعد. مثلاً في ألمانيا وبولندا، الحدّ الأدنى هو 5 في المئة من مجموع المقترعين، وفي السويد وإيطاليا 4 في المئة.
نذكّر بأن الوزير الأسبق فؤاد بطرس كان قد اقترح بعض الإصلاحات الشاملة للنظام الانتخابي التي ما زالت في أدراج المجلس النيابي، ومن أهم هذه البنود:
ــــ هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات. ــــ اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية. ــــ تنظيم الإنفاق الانتخابي والإعلام والإعلان الانتخابيين.
ــــ خفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 عاماً. ــــ الاقتراع في أماكن السكن بدل الولادة. ــــ إجراء الانتخابات في يوم واحد، حتى لا يتلاعب في النتائج.
ــــ تشجيع ترشّح النساء عبر إدخال الكوتا النسائية في لوائح الترشيح. ــــ الأخذ في الحسبان حاجات الناخبين ذوي الحاجات الخاصة.
وفي النهاية، لكم أنتم الكلمة. قد لا تؤثر مباشرة في إقرار القانون المسخ (قانون الستين) اليوم، ولكن وجود العدد الكبير منكم في محيط المجلس النيابي ضد هذا القانون سيكون له أثر في المستقبل القريب، وسيعطي النواب في الداخل إشارة إلى أن قانون الستين ليس بالقانون الجامع، بل قد يكون مقسّماً للشعب اللبناني وهو مخالف للدستور (الطائف). وهنا ضرورة اعتصامكم كما أمس، كي لا يُقال إن القانون قد نجح دون أية معارضة تذكر.