إيلي شلهوبإذا استثنينا الجعجعة الإسرائيلية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، تبدو البؤر الحية في المنطقة، دبلوماسياً على الأقل، منحصرة في طهران ودمشق؛ الأولى تبدو ماضية قدماً في نهج محمود أحمدي نجاد، الذي أعلن المرشد علي خامنئي قبل أيام دعمه لولاية جديدة له، سياسة حافة الهاوية مدعومة بانفتاح شكلي على التفاوض، وتصلّب في التمسك بـ«الحقوق» ومتابعة المسيرة.
نهج أثبت صوابيته. تراجع إدارة بوش عن عدد من ثوابتها في هذا الملف مؤشر لا لبس فيه. خطاياها التي راكمتها منذ هجمات أيلول 2001، وما استتبعها من حال تقهقر في أكثر من مكان، تثير الطمأنينة في طهران، التي تشغل نفسها، خلال الأشهر الأخيرة من ولاية «عبقري» البيت الأبيض، بغزو الفضاء ومراكمة القوة وتعزيز رصيد حلفائها على الجبهات الأمامية.
أما الثانية، فتبدو في حال من الحراك الدائم، تحصد ثمار مقاومتها البراغماتية لضغوط ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتقتنص كل فرصة لمراكمة المزيد من أوراق القوة التي يمكن استغلالها في حالتي الحرب والسلم. براغماتية ليست غريبة على تقاليد الدبلوماسية السورية، منذ عهد الراحل حافظ الأسد: دبلوماسية أخطبوطية تجمع الأضداد وتمد الخيوط في الاتجاهات كلها. تراهن على عامل الوقت، وتجري حسابات دقيقة لموازين القوى الحالية والمستجدة. والهدف: «المصلحة الوطنية السورية»، وفي مقدّمها حفظ البقاء.
زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، والتي خرقت الصمت العربي الذي رافق حرب القوقاز، ليست تغريداً خارج السياق. إحياء التحالف الاستراتيجي مع الدب الروسي ليس سوى ورقة جديدة تضاف إلى ما سبق، مهما عظمت قيمتها. أهميتها أنها تأتي في ظرف تاريخي حساس، تُترجم خلاله روسيا طموحاتها القيصرية التي لا تستثني الشرق الأوسط. تداعياتها الطويلة الأمد غير واضحة المعالم: تبدأ بصفقات أسلحة متطوّرة تُخلّ بـ «التوازن»، ولا تنتهي بجعل سوريا قاعدة روسية في المنطقة. لكنها بلا شك رسالة متعددة الاتجاهات تقلق واشنطن وتثير هلع تل أبيب وتفرض على نيكولا ساركوزي بنداً جديداً في جدول أعمال زيارته لدمشق.
ويبقى لمصر التلهّي بملف الحوار الفلسطيني، وللسعودية تعزيز إمبراطوريتها في... باب التبانة.