بعد يومٍ من اعتصام أبناء مخيّم نهر البارد النازحين في شاتيلا، انتقل الاعتصام إلى مخيّم برج البراجنة. اعتصامان في 24 ساعة، أراد من خلالهما الأهالي «المنكوبون» الضغط على المعنيين بملفّ المخيّم في محاولة للإسراع في تسهيل العودة
راجانا حمية
منذ 457 يوماً وأبناء مخيّم نهر البارد اللاجئون في مخيّم برج البراجنة... لاجئون في مخيم برج البراجنة. لا شيء جديداً في حياتهم المؤقتة والطارئة. عدا بضعة اعتصاماتٍ يعدّونها للتذكير بضرورة عودتهم التي لا يبدو أنها ضرورية لغيرهم. آخر الاعتصامات كان أمس عند المدخل الرئيسي للمخيّم، بدعوة من جبهة اليسار الديموقراطي. هناك، عند المدخل، لم يكن الوضع مغايراً للاعتصامات السابقة. نازحون ومقيمون في المخيم حملوا أعلام الجبهتين الديموقراطية والشعبية، اللتين تشكلان جبهة اليسار مع حزب الشعب، واليافطات التي تطالب بدعم نضال اللاجئين من أجل حقّ العودة، و«إسقاط مشاريع التوطين والترحيل».
كان كلّ شيءٍ عادياً طوال فترة الاعتصام الذي لم يتعدّ الخمس عشرة دقيقة.. إلى أن وصل النازح محمود خليل. هنا، تغيّر المشهد. فالنازح اللاجئ مع أطفاله السبعة إلى منزل أقربائه في برج البراجنة، حضر ليفصح عن «مشاعر أبناء البارد التي لا تشبه مشاعركم». كان الرجل مختنقاً بدموع لم يستطع أن يتركها تسيل. قال إنه يريد توجيه ثلاث رسائل إلى «السيّد الرئيس أبو مازن الذي يصل اليوم إلى بيروت، والدولة اللبنانيّة ومكتب الأونروا». تكلّم خليل بصوتٍ أقرب إلى البكاء. ثم ارتفع صوته مهدّداً «بفضح ما تفعله الدولة والأونروا»، رغم اعتقاده بأنّه «بعد الاعتصام أكيد رايح على السجن... وجاهز له». في لحظة يقلب يأس الرجل تهديده إلى ما يشبه التوسّل. يرجو الدولة اللبنانيّة الإيفاء بوعودها بتسهيل «العودة الكريمة»، ويطالب الأونروا بـ«تحسين مساعداتها للنازحين، فنحن أحوج ما نكون إلى حبّة الأرزّ». كل ما يريده خليل العودة إلى بيته، ولو كان مجرد غرفة في مخيم مدمّر. تحدث خليل باسم الباقين. نقل مطالبهم وقال متوجهاً بكلامه إلى «السيّد الرئيس» الذي يحطّ اليوم في بيروت، «باسم أبناء شعبك المنكوبين، تَفَاوض مع الدولة والأونروا لتسريع إعادة إعمار المخيّم وتسهيل العودة قبل شهر رمضان وخلاله»، وأردف بمرارة «ليته يتكرّم علينا بزيارة للاطّلاع على معاناتنا». ثم التفت خليل إلى إخوته في النزوح، داعياً إياهم إلى «المشاركة العاجلة في مسيرة العودة، لأنّه قسماً بالله لم نعد قادرين على التحمّل، وكلّ إنسانٍ يتحمّل على قدر طاقته».
لكن خليل، أصابه ما يصيب معظم معتلي المنابر الذين يأخذهم انتباه الناس إلى المبالغة. هكذا، بدأ يتحدث عن «القاعدة الأميركيّة التي سيبنيها الأميركيّون على أنقاض المخيّم»، كما قال. فأخذ الناس يلتمسون له العذر بقولهم إنه يتحدث من قلب مفجوع، أو إنها كانت مجرد «فشّة خلق لخوفه من فقدان المخيّم نهائياً».
لكن على ما يبدو لم يكن خليل خائفاً فقط. كان الكلّ خائفين. حتّى المتضامنين من «برج البراجنة». إذ يقلق هؤلاء «من أن تكون حرب نهر البارد بداية لحروبٍ جديدة في المخيّمات الأخرى». وأمام هذا الواقع، توجّهت جبهة اليسار المتضامنة مع المعتصمين إلى الأونروا بطلب إنهاء «مأساة البارد عبر تنفيذ مقررات مؤتمر فيينا (للدول المموّلة لإعادة الإعمار) في أسرع وقت، خوفاً من امتداد تداعياتها إلى المخيّمات الباقية». كما توجّهت إلى الفصائل الفلسطينيّة «للخروج من عقدة الانتماء إلى الفصيل، وتوجيه الأنظار نحو مطالب الشعب»، وإلى المؤسّسات الأمنيّة على اختلافها «لتسهيل عودة اللاجئين وحياتهم داخل المخيّم، من دون أزمة التصريحات عند المداخل».
ورغم أنّ الاعتصام لم يأت بجديدٍ، إلا أنّ «الجديد» كان الجهة الداعية «جبهة اليسار الديموقراطي». فهذه الجبهة بدأت أمس أوّل نشاطاتها، على أن تستكملها بسلسلةٍ تحركات في شأن أوضاع اللاجئين في مخيّمات الشتات والداخل الفلسطيني. وتُعدّ جبهة اليسار فرعاً من منظّمة التحرير الفلسطينيّة.