محمد زبيبتلتقي تيارات مختلفة أو متصارعة على مطالب متشابهة أحياناً، تُحمل كشعارات أو ركائز تؤسس لمساومات محتملة. فمطلب الدولة القوية القادرة والعادلة... يكاد يكون مطلباً إجماعياً في ذروة الصراع القائم حالياً، ولا سيما أن فريق 14 آذار، أو بعضه، يطرح نزع سلاح المقاومة مدخلاً ضرورياً لا يمكن بناء الدولة القادرة من دونه، فيما الفريق الآخر يطرح بناء الدولة القوية شرطاً مسبقاً لنزع السلاح، أي أن يصبح للبنان دولة «مقاومة» قادرة على حمايته من العدوان. وبينهما يأتي خطاب الحركات السلفية المستجد الداعي إلى قيام الدولة العادلة التي تزيل «الغبن» كشرط للمصالحة والعيش معاً من دون عنف أو إكراه.
المفارقة أنّ جميع هذه التيارات التي تكوّن الطبقة السياسية الحاكمة تلتقي على الشعار، وتذهب عبره إلى المساومة، ولكنها ترفض تقديم أي رؤية لماهية الدولة المطلوبة، والأسس التي يمكن أن تقوم عليها... ولعلّ ردود الفعل على طرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وضع الاستراتيجية الاقتصادية على جدول أعمال طاولة الحوار المنتظرة، تجسّد طبيعة هذه المفارقة. إذ إن البعض في «المعارضة» السابقة لا يخفي أن الطرح له هدف تكتيكي، يستطيع من خلاله إعادة إنتاج المقايضة السابقة، بمعنى أن «يعطي» في الاستراتيجية الاقتصادية لكي «يأخذ» في الاستراتيجية الدفاعية، وفي المقابل رفض الفريق «الأكثري» هذا الطرح، مشيراً إلى أن الاقتصاد «خارج اللعبة» وهو ملف «إجرائي» تتعامل معه الحكومة. وهنا أيضاً، لا يخفي البعض في هذا الفريق اقتناعه بأن التطورات التي حصلت في السنتين الماضيتين لم تؤدّ إلى هزيمة ساحقة لكي يتخلى عمّا يتحكّم به أصلاً مقابل الحصول على شراكة في ما لا يرغب في استمرار وجوده... أمّا الفريق السلفي، فلا يخفي بدوره أن العدالة لا تتوفّر إلا بدولة الخلافة الإسلامية، ونقطة على السطر.
إنه الوباء الجديد الذي يتفشّى الآن، دولة قوية وقادرة وعادلة تقوم في ظل نظام طائفي ــــ أمني، يكره كل ما هو مدني، ويعادي مفهوم المواطنة، ويهلّل لمعجزة اقتصادية فريدة تقوم على الهجرة والتحويلات وتشجيع الكسل.