عبد الله ناصر الديندرست في الجغرافيا أن لبنان اشتُقّ اسمه من كلمة «لبان» التي ترمز إلى بياض الثلج الذي يغطي سفوح جباله. ودرست في الجغرافيا أيضاً أن لبنان أخضر غنيّ بغابات الأرز والصنوبر التي تغطّي مساحاته، ثم أنه غني باحتياط الذهب الذي يمثّل ضمانة لاقتصاده. كما أن لبنان هو بوابة الشرق بتنوّع طوائفه، وسويسرا الشرق بجماله. علّمتني الجغرافيا التي درستها إذاً، أن لبنان كما يقول وديع الصافي هو «قطعة سما».
... وعندما كبرت واستيقظت، لاحظت أن لبنان الأبيض ذابت ثلوجه. أما لبنان الأخضر، فهو أقرب إلى الأصفر، حتى في فصل الربيع حيث لا ترى سوى الورود الصفراء التي تعانق جوانب الطرقات وكأن الورود الأخرى قد انقرضت. كذلك، فإن لبنان الغني بسبائك الذهب بات الأكثر ديناً في العالم، أما بوابة الشرق، فبدت لي كأبواب طائفية للغرب، وسويسرا الشرق ذهبت مع أدراج الحرب الأهلية واستُبدلت بدول أخرى في المنطقة. بالمختصر المفيد، الجغرافيا التي تعلّمتها كان من الأجدر أن تكون جزءاً من كتاب التاريخ من أجل أن لا تنام الأجيال على ريش نعام وتستيقظ على أوهام.
موضوعان درستهما في الجغرافيا ما زلت ألامسهما اليوم. أمّا الأول، فهو «الغزارة في الإنتاج والسوء في التوزيع»، حيث لا يزال يمثّل جزءاً أساسياً من لبنان المعاصر، وتطور لينتقل إلى جميع المجالات.
أما الموضوع الآخر، فهو خارطة لبنان ومساحته التي بقيت وما زالت وكادت أن لا تبقى لولا المقاومة التي يتطاولون عليها ويتنكّرون لإنجازاتها كل يوم. ولولا هذه المقاومة لكانت خارطة لبنان ومساحته وجبت أن تدخل هي أيضاً في كتاب التاريخ كلبنان الأبيض والأخضر وبوّابة الشرق...