محمد داوودإن إطلاق سراح الأسرى القدامى هو انتصار لفلسطين وللشعب، وحق أسرانا البواسل في الحرية آتٍ لا محالة، باعتبارها أحد الثوابت الرئيسية التي لا يمكن التفريط بها، لذلك نجدها من القضايا التي توحدنا، لأنها محل إجماع وطني فلسطيني. ولكن من المؤسف والمعيب أن تسمع تصريحات مخالفة تناقلتها وسائل الإعلام الفلسطينية، وكذلك الإسرائيلية، التي سرعان ما نعتمد أقوالها في تحليلاتنا ونتداولها في صحافتنا الفلسطينية ونصدقها ونعتمدها، التي غالباً ما تكون لها نيات شيطانية هدفها العبث في الساحة الفلسطينية الخصبة التي تعج بالتناقضات مستغلةً الظروف الراهنة من أجل تعزيز الفجوة وتعميق حدة الانقسام الحاصل، ولا سيما عندما تنشط الجهود الفلسطينية والعربية من أجل رأب الصدع الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام المدمرة لوحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي ولقراره السياسي. فالكل يطمح ويسعى لإطلاق سراح أسرانا الأبطال الذين يمثلون إرادة الشعب الفلسطيني التي لن تنكسر يوماً، باعتبارها (أي الإفراج عن الأسرى) خطوة وإنجازاً وطنياً كبيراً، من خلاله يُنتزَع حقنا، سواء عبر القنوات السياسية الدبلوماسية أو العسكرية بخطف الجنود والشخصيات الإسرائيلية للمساومة عليهم، وكلاهما أسلوبان لهما دورهما واجتهادهما الفعال والمنوط بمعايير خاصة. فالاحتلال يبني السجون ويزج بها الفلسطينيين ليلاً ونهاراً، ويعتقل العشرات يومياً، فماذا نحن صانعون لهم غير المزايدات والحزن والألم بفعل الانقسام؟! وفي أبسط هذه التصريحات التي سمعنا بها بالأمس القريب في عدد من المواقع والصحف الإخبارية عن استياء أصاب صفوف حركة «حماس» من نية إسرائيل إطلاق سراح أسرى ينتمون إلى حركة «فتح»، وقال المصدر إنّ الهدف هو تعزيز قوة فتح على حساب الطرف الآخر بالإشارة إلى «حماس»، وإن دل فإنه يدل على حجم ومخاطر استمرار الحرب الإعلامية. واستكمالاً فقد قالت الأخيرة إن الصفقة «صفقة شاليط» ستكون لمعتقلين محسوبين على «حماس» فقط، كما اتهمت الأخيرة قيادات من «فتح» بأنها تسعى إلى تخريب البند الثاني من اتفاق صفقة التهدئة، وهو إطلاق الجندي شاليط مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين تعتقلهم إسرائيل تمهيداً لفتح معبر رفح.
وبالتالي هذه التصريحات والتهديدات «السخيفة» التي هي في محل تجنٍّ وتبديد لأنبل زهرة أنبتتها الثورة الفلسطينية هم: «الأسرى الأبطال»، صناع انتصارات المقاومة والتحرير. فمن غير المنطقي أو الأخلاقي معاقبة الأسرى الفلسطينيين من عناصر سياسية رداً على خطوة أحادية إسرائيلية قامت بها أمام بعض الضغوط السياسية من الرئيس عباس والمجتمع الدولي، وبالتالي إن الإفراج عن أي أسير، أياً كان انتماؤه أو مكان سكناه أو جنسيته، سواء كان فلسطينياً أو عربياً، هو إنجاز ومكسب للقضية لا يمكن رفضه أو التقليل من شأنه، باعتبار هذا المطلب أحد أعمدة الثوابت الوطنية والمقدرات التي يصعب التفريط أو التشكيك بها، في لحظة يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى العبث بها والتقليل من أهميتها، ولا سيما منذ إبرام اتفاق التهدئة، وعلى رأسها مسألة المقاومة وإطلاق الصواريخ المحلية الصنع، أو إن صح التعبير إطلاق صفارات الإنذار الإسرائيلية الكاذبة بين الفينة والأخرى هنا أو هناك، فتكون معياراً وحجةً يُبتز من خلالها الفلسطينيون بإغلاق المعابر التجارية أو تقليص عدد الشاحنات الداخلة إلى القطاع، أمام عشرات الخروق التي يرتكبها الاحتلال.
هذا النموذج الحي يمكن سحبه أيضاً على قضية الأسرى الذين يخوضون معركة كرامة وعزة وحرية داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، بعدما أمضوا بداخله زهرة شبابهم وحياتهم خلف القضبان وزنازين القهر الحديدية وتحملوا عناء التعذيب والإهانة، فعبّروا في أحلك الظروف من خلال وثيقتهم الوطنية حقناً للدماء الفلسطينية التي أهدرت في تموز/ يونيو العام الماضي، وحرصاً منهم على أهمية الوحدة الوطنية والشراكة السياسية والحفاظ على صمود أهلنا ودعم كفاحهم المشروع ضد الاحتلال الهمجي، من أجل أن تبقى القضية الفلسطينية حية تنبض باسمهم وباسم الشهداء والجرحى والمناضلين وكل الغيورين والآمنين على هذا الوطن وترابه الطاهر حتى تبقى الحركة الأسيرة شعلة كفاح وثورة وعنواناً للشعب الفلسطيني لتضيء لنا طريق بناء الوطن ومؤسساته. هم استطاعوا أن يحددوا ملامح الحرب والسلام، وأن يرسموا ملامح المستقبل والأمل بأن فلسطين باقية رغم ما حدث ويحدث من التفاف وانحراف للمشروع الوطني.
واليوم يتجدد الحلم الفلسطيني عندما ناضل الرئيس محمود عباس مشدداً على أن حق كل أسير فلسطيني أن ينعم بالحرية، وعاهدهم ألا يغمض لنا جفن حتى يعودوا إلى أهلهم وذويهم، لما يمثّله هؤلاء من تراث للقضية الفلسطينية وأصالتها التاريخية في النضال والصمود. وقد نجح من خلال الحرب الدبلوماسية وحنكته في فن إدارة الصراع والمفاوضات، بأن يرغم الاحتلال المتصلب في مواقفه ولا سيما الساسة من المعارضة الإسرائيلية تجاه قضية الأسرى، التي وصفها الساسة بأنها «كسر للمعايير الإسرائيلية السابقة»؛ وإشارة هامة وغير مسبوقة أن يفرج عن عدد لا بأس به من قدامى الأسرى، وعلى رأسهم الأسير سعيد العتبة عميد الأسرى الفلسطينيين، الذي أمضى حوالى 32 عاماً خلف القضبان الإسرائيلية، وكذلك الأسير أبو علي يطا الذي أمضى 28 عاماً، والنائب حسام خضر الذي أمضى ستة أعوام في سجون الاحتلال.
الحرية لكل أسرانا البواسل القابعين خلف القضبان الحديدية.