ميس الجبل ــ داني الأمينفي دكانه الصغير في بلدته «ميس الجبل»، أو في باحة منزله الضيق بعد إقفال الدكان مساءً، ينكبّ غالب بدران على ممارسة هوايته الجديدة بعد حرب تموز: النحت. لكن الشغف الذي يشتغل به بدران منحوتاته، لا علاقة له فعلياً بالفن المجرّد. فموادّ نحته لها قصة خاصة: أشجار الزيتون المعمرة التي اقتلعها من أرضه القصف الإسرائيلي في حرب تموز 2006. ومع أن حبه لهواية النحت قديم، فإن العمل، منذ عامين، بات انتقاماً لأشجاره، التي أطعمته على مدار السنوات، أشجار «قصد الإسرائيلي القضاء عليها لكونها تمثّل السلام والصمود، ويختبىء في فيئها المقاومون» كما يقول النحات.
لا يكتفي غالب بدران بإعطاء الأشجار المقتلعة حياة جديدة، عبر شكل وجودها الجديد. فهو، وعلى الرغم من «ضيق الحال والعسر المادي» كما يقول، لم يحجم «عن التفنّن، بتحويل جذوع أشجار الزيتون إلى لوحات تحكي قصص الصمود، وترسم صور المدافع والصواريخ والطيران والدبابات الإسرائيلية التي قصفت جبل عامل للقضاء على الحجر والبشر والأشجار المعمّرة». أكثر من ألف منحوتة من خشب الزيتون، أصبحت تحفاً جميلة نحتها بدران بيديه، مستعيناً ببعض الآلات البدائية كالإزميل والمطرقة والمنشار اليدوي، حتى لم يعد منزله ودكانه الصغير يتّسعان لعرض كل المنحوتات. يقول بدران «رغم أن بعض الناس شجعوني، إلا أن الكثيرين نصحوني بألّا أُتعب نفسي وأن استعمل خشب الزيتون هذا للتدفئة. وخصوصاً أن المازوت باهظ الثمن». لكن هؤلاء أدركوا فيما بعد أهمية عمله بعدما شاهدوا بأم عينهم منحوتاته الجميلة.
أهمية عمل بدران تأتي من فكرته في مواجهة آثار الحرب الاسرائيلية، فيقول «بعد انتهاء الحرب فوجئت بأن أشجار الزيتون في حقلي الكبير سقطت أرضاً، فالدبابات الإسرائيلية التي تمركزت في جوانب من الحقل اقتلعت كل الأشجار، ووجدت مرابض خاصة بالمدفعية! هالني الأمر. أردت استيعاب ذلك ومواجهته، بمحو الخراب من خلال عمل خالد، يعبّر عن ثقافتنا بحب الأرض ومحاربة الاحتلال. فبدأت بنحت كل جذع زيتون يصلح لذلك، فأصبح لدي منحوتات للطائرات الإسرائيلية المختلفة والدبابات والمدافع، إضافةً إلى منحوتات خاصة بالطيور التي كانت تقصد الأشجار الجميلة وتعشش بين أغصانها. ولم أنسَ الإعلاميين الذين قاوموا كالمجاهدين فنحتّ لهم كاميراتهم التي رافقتهم طوال الحرب الإسرائيلية».
عامان كاملان، حتى الآن، على بداية مسيرة بدران الفنية، أوصلاه منذ شهر إلى قاعة الأونيسكو في بيروت، حيث عرض منحوتاته الجميلة التي بهرت الجميع.