لا يشبه مبنى «قصر عدل النبطية» قصور العدل، ولا أياً من المباني العدلية والحكومية. المبنى المهترئ لا تعود ملكيته لوزارة العدل، التي لم تسع بعد إلى تشريعه، بعد أكثر من 16 عاماً على إنشائه
النبطية ــ كامل جابر
تظهر الصورة الخارجية مدى المعاناة التي تلقي بثقلها على الرواد اليوميين لهذا «القصر»، فكيف الأمر بالنسبة إلى المقيمن فيه، من عناصر قوى أمنية وشرطة قضائية وموقوفين في نظارته؟ فمن الدرج يقرأ العنوان، وتروي قاعات المحاكمة والغرف والمراحيض ومحيط القصر تفاصيل الرواية والصورة.
وبعد 573 عدداً من العدد 33 من جريدة «الأخبار»، التي تناولت معاناة مبنى قصر العدل في النبطية، يؤكد معظم الموظفين فيه أن أوضاع المبنى والغرف تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والمبنى الذي «نشأ على أرض لبلدية النبطية، لم تعمل وزارة العدل على ضمه إلى أملاكها، وبالتالي لا شيء يلزمها الصيانة والترميم والتأهيل، لأنه غير موجود في سجلات الوزارة والمباني الحكومية». يقول أحد الموظفين ويؤكد: «لقد اشتعلت خطوط الكهرباء في الجهة الجنوبية من المبنى بسبب التمديدات الكهربائية السيّئة، فطلبنا إلى إحدى بلديات المنطقة إعادة تمديد خطوط على نفقتها، ثم جرى الأمر عينه للجهة الشمالية، فطلبنا تدخّل بلدية أخرى، وفعلت».
وعدا عن همّ نقل ملكية الأرض وتشريع المبنى، ثمة هموم أخرى تلقي بتبعاتها على الموظفين الذين ينتظر بعضهم البعض الآخر «بالدور» حتى يجلسوا على الكراسي، إذ إن إحدى الغرف التي لا تكاد تتسع لموظف واحد، فيها خمسة موظفين تابعين لمحكمتين، وعليها أن تستوعب الموظفين ومكاتبهم وكراسيهم وخزائن الملفات. وساعة ينقطع التيار الكهربائي، يعتمد القضاة، مثلهم مثل الموظفين، على بصيرتهم لا على بصرهم، إذ إن الإنارة الكاملة لا تدخل إلى جميع غرف المبنى، ويحصل هذا الأمر في كثير من الجلسات التي يستعين القضاة خلالها ببعض مصابيح المشاركين في الجلسات وبكراسي الموظفين ومقاعدهم، فضلاً عن كراسيهم المهترئة والممزقة. كذلك يفتقر المبنى إلى مولّد كهربائي، وتفتقد القاعات التجهيزات والمصابيح البديلة عن تلك التي احترقت أو تحطمت، وخصوصاً في قاعتي المحاكمة، وكذلك التدفئة التي قد تحدّ من نسبة النش والرطوبة في السقف والجدران، فضلاً عن نزّ بعض المجاري المنتشرة في قاعة المحاكمة، وقرب الأدراج ومواقف السيارات.
ويسهب الموظفون وزائرو المبنى في الحديث عن المراحيض، المعطّلة تماماً، هذه الأيام، بسبب انقطاع المياه عن المبنى. ويؤكد روّاد المبنى أنهم يضطرون في كثير من الأحيان إلى الطلب إلى الموظفين «استخدام المراحيض الخاصة بهم، إذا كانت صالحة».
وبعد الهرج والمرج الذي أحاط بقصور العدل، وخصوصاً بعد اغتيال القضاة الأربعة في صيدا، لم يُصَر حتى اليوم إلى تدعيم نوافذه المشرعة على محيط حرجي واسع من جهاته الأربع (حرج تلة العسكر)، بشباك من حديد وبما يقي القضاة أو الموظفين أيّ هجوم أو عتداء أو حتى محاولات سرقة. هذا المحيط الذي لا يزال زاخراً بالنفايات المرمية من نوافذه، والتي باتت مرتعاً للحشرات والقطط والكلاب الشاردة، فضلاً عن تجميع «كسر» السيارات المصادرة منذ أيام التحرير، في أيار عام 2000، من المنطقة الحدودية، والتي تحوّلت إلى خردة، ولا سيما عند الجهة الجنوبية الشرقية من المبنى، فيما لم يصدر أيّ قرار بتلفها أو التخلص منها.
ويُكتشف بعد السنوات الطوال من العمل في هذا المبنى، أن موقف السيارات وجزءاً أساسياً من الطريق المؤدية إليه، هما في أملاك خاصة، ادّعى أصحابها أخيراً على الجهات البانية، مطالبين باسترداد ما لهم من حق في الأرض، وبالتعويض اللازم. أما الغرف المطلوبة التي يعدّها الموظفون حاجة ملحّة يجب تحقيقها، فيستعاض عنها بالتكديس هنا وهناك، حتى في غرف الموظفين، التي تحوّل بعضها إلى غرف لـ«الكراكيب» تخزّن فيها المضبوطات وبضائع وأغراض مصادرة.