يفرض شح المياه على المزارع، في لبنان كما في العالم، لجوءه إلى استخدام المياه غير المعالجة لريّ المزروعات، ما يعرّض المستهلك والمزارع لأمراض ناتجة من التلوث، كذلك يعرّض المحصول المحلي لسمعة سيئة عالمياً
إعداد: رنا حايك
أشارت دراسة جديدة لمعهد إدارة الثروة المائية العالمية المدعومة من الأمم المتحدة إلى أن صحة 200 مليون شخص على الأقل حول العالم مهددة بسبب تناولهم غذاءً استخدمت لريّه مياه غير معالجة، قد تكون ملوثة بالمعادن الثقيلة ومياه المجاري، بحسب دراسة واسعة النطاق شملت 53 مدينة حول العالم. فقد تبيّن بعد معاينة مدن غنية وفقيرة على حد سواء، أن 80% من المزارعين الحضريين يستخدمون مياه الصرف الصحي غير المعالجة، لإمداد المدن بالغذاء الأساسي في ظل شحّ مياه غير مسبوق، وفي إطار أسوأ أزمة غذاء تحلّ منذ ثلاثين عاماً.
وجد التقرير أن البلدان النامية التي تتمتّع بتوجيهات رسمية لاستخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة قليلة. وإذا حظيت بهذه التوجيهات، فقلما يخضع تطبيقها للتدقيق والمتابعة وقلّما تكون واقعية. نتيجةً لذلك، ورغم أن هذه الممارسة قد تكون ممنوعة نظرياً أو خاضعة للرقابة، إلا أنها قد تكون «مسموحة بشكل غير رسمي».
لم يذكر التقرير إذا ما كان لبنان مدرجاً في الدراسة، إلا أن الاستنتاجات التي خلص إليها تطابق تماماً الوضع في لبنان، حيث معالجة مياه الصرف الصحي غير موجودة تقريباً. فهناك حالياً أسلوبان متّبعان في التعامل مع مياه الصرف الصحي في «بلد الحليب والعسل»: أولهما حفر «الجور الصحية» تحت البيوت في الجبال. وثانيهما الربط بشبكة تصريف المياه البدائية التي تصبّ في قنوات الري أو في البحر. وقد جرت عدة محاولات موّلتها مؤسسات التنمية العالمية (خصوصاً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID)، لإقامة مشاريع مصغّرة لمعالجة المياه وتكريرها، لكن القليل منها نجح.
نتيجةً لذلك، يعاني البحر من التلوث في مناطق كثيرة حول التجمعات المدنية، ومعظم الأنهر، إن لم تكن جميعها، تعاني من التلوث.
نهر الليطاني وسدّ القرعون هما أوضح مثال على ذلك، ووضع الأنهر الأخرى ليس أفضل. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسات أجرتها منظمة اليونيسيف منذ 18 عاماً أن معظم ينابيع القرى قد تلوثّت بمياه الصرف الصحي المحلية بفعل التسرّب الحاصل في الجور الصحية (التي غالباً ما تفيض في الشوارع، فيأتي، بناءً على احتجاجات الجيران، من يعالج الوضع بإفراغ محتوى الجورة في مركبته ثم رمي الحمولة في أقرب واد). ولعل في تلك المعلومة إفصاحاً عن سر الطعم الخرافي لمياه «عين الضيعة».
وبما أن معظم الأنهر تجفّ خلال فصل الصيف، تتركّز فيها مياه الصرف الصحي أكثر خلال هذا الفصل، في الوقت الذي تحتاج فيه الأراضي الزراعية إلى تكثيف الرّي. حصيلة ذلك: تسقى الفواكه والخضار، التي تمثّل «فخر الإنتاج اللبناني»، بالمياه الآسنة في معظم الأحيان. يخفض ذلك من حاجة الأراضي المزروعة للمخصّبات الزراعية. يعي بعض المزارعين ذلك، فيحاججون به دفاعاً عن استخدامهم للمياه الملوثة: فنظراً لأسعار المخصّبات الصناعية الحالي، قد يخفّف ذلك من التكاليف الإنتاجية التي تقع على عاتقهم.
إلا أن السؤال، كما تطرحه على الأرجح الحكومة الحالية ـــــ التي تبدو متحفظة على الاستثمار في قطاع الخدمات العامة ـــــ هو: وإن يكن؟ فرغم كل ما نعرفه عن تلوّث المياه، وعن استخدام مياه الصرف الصحي في الكثير من المناطق لريّ الأراضي المزروعة، إلا أن حالات الإصابة بأوبئة مرتبطة مباشرة باستهلاك الخضار والفواكه المروية بالمياه الملوثة قليلة في لبنان.
صحيح أن حالات الإسهال ترتفع في معظم المناطق اللبنانية خلال الصيف، إلا أن من الصعب ربط ذلك بشكل حاسم بالري بالمياه الملوثة. يعزو معظم المواطنين ذلك إلى الحرّ. فكل نهار أحد، يسبح الآلاف من الفقراء في مسبح بيروت العام، الذي يقع بين أضخم مصبّين للمجارير، في منطقة الرملة البيضاء. معظم هؤلاء لا يتقنون السباحة، فيبتلعون كميات هائلة من المياه الملوثة، لكن لم يُرصَد بعد تفشي الأمراض المرتبطة بتلوث المياه على نطاق واسع، فهم فقراء، ومعظم أمراضهم لا يُبَلّغ عنها ولا تُحصى.
يشرب الكثير من المواطنين المياه المعلّبة، لكنهم لا يتفادون الأمراض بذلك. فاحتمالات أن تكون تلك المياه ملوثة عالية، في ظل غياب الرقابة على النوعية والجودة في لبنان. بالطبع، يؤدي ذلك إلى إصابة الكثير من الزائرين الأجانب بالإسهال في مرحلة ما من إقامتهم في لبنان، من دون أن يبدو واضحاً إن كان السبب في ذلك استهلاك خضار غير مغسولة جيداً، أو «الخوف من الأوضاع الأمنية غير المستقرة».
من الواضح أننا لا نحتاج إلى القيام بشيء في لبنان بصدد مياه الصرف الصحي.