كفيفان ــ جوانّا عازارأطفال الحديد والخشب والشارع يعيشون اليوم تجربة جديدة في مركز الجمعية في كفيفان، قضاء البترون. فهم يستيقظون معاً، يرفعون العلم اللبنانيّ معاً، يأكلون، يلعبون، يرقصون ويغنّون، يرسمون، ينجزون أعمالاً يدويّة، يشاركون في الـRally Paper، وفي حلقات حواريّة عن البيئة، النظافة... وفي المساء يطلقون دعاءاتهم ويردّدون صلواتهم الخاصّة على مسمع الجميع.
«بدنا نحبّ بعض وما بدنا نختلف، بدنا نعيش متل كلّ أطفال العالم، نحن أخوة بدنا نعيش سوا وناكل سوا، كلنا أطفال منحبّ لبنان وما بدنا نخرّبه» تقول الطفلة بتول طرابلسي (11 سنة) من منطقة جبل محسن. عبارة تدلّ على نجاح هدف المخيم في جمع أطفال منطقتين متلاصقتين، تفصل بينهم خطوط التماس، ويتشاركون البؤس والفقر والجهل والإهمال.
كان ضرورياً أن يعيشوا معاً لتتعلّم الطفلة مريم خضر (10 سنوات) من جبل محسن «أننا أصدقاء وننشد السلم». ويؤكد الطفل محمّد حسين (13 سنة) من باب التبانة أنه «لا نريد التقاتل، لا نريد الحروب». «نحن أخوة، لا أريد ضرب أخوتي» يقول عبد الرحمن أحمد (10 سنوات) من باب التبانة، «نوجّه رسالة المحبّة، التسامح والاحترام الى أهلنا» تقول سناء عبد الرحيم نصر الدين (8 سنوات)، ويختم علي أحمد الشيخ (11 سنة) الكلام قائلاً: «نحنا منعمّر لبنان».
يشرح المتطوّع في الجمعيّة، والمسؤول عن النشاط، حسين يونس، الفكرة من المخيم الذي يمثّل امتداداً لعمل الجمعيّة المستمرّ منذ عام 2001 في باب التبانة وجبل محسن. «عملنا على ترميم الأحياء والمنازل، طلاء الجدران، إنشاء الملاعب، صيانة الطرقات والشوارع، فضلاً عن تنظيم ورش العمل لأبناء المنطقة». لكن «وإن كانت الأحداث الأخيرة قد دمّرت معظم ما أنجز حتّى الآن، يبقَ العمل على الأطفال لتربيتهم على العيش معاً».
ويقول يونس إن أصعب ما واجهه المدرّبون مع الأطفال كان تعليمهم على «الانضباط والنظام، وخاصّة أنهم كثيرو الحركة، وكانوا يواجهون صعوبات في تعلّم التصرّف باحترام». كذلك فإنّ الأطفال الأكبر بين الموجودين وعمرهم 14 سنة، أظهروا نوعاً من التسلّط في اليوم الأوّل، فما كان من المدرّبين إلا أن أوكلوا اليهم مسؤوليات بين فرق الأطفال، ومنها خدمة زملائهم، المحافظة على النظافة في المركز، لأن الأهمّ في التعامل مع الأطفال هو إظهار المحبّة لهم والاهتمام بهم».
ويبقى همّ الجمعيّة بعد تربيتهم على مبادئها الثلاثة: المحبّة، التسامح والاحترام، تعليم الأطفال كيفيّة التعامل مع المحيطين بهم. من هنا دقّوا ابواب أهالي كفيفان التي تستقبلهم، وجمعوا المعلومات عن تاريخ البلدة ومعالمها الأثريّة استعملوها في «اسكتشات». وضمن برنامج المخيّم زار الأطفال منطقة الأرز، أكلوا في المطعم ولعبوا في مدينة الملاهي، غنّوا في المركز مع بول أبي راشد، شاهدوا مسرحيّة جيزال هاشم زرد للأطفال، كذلك سيحصلون على النقود ليجولوا في السوق وينتقوا ثياباً خاصّة بكلّ منهم.
تشير المسؤولة الثانية عن النشاط، مغنى سليمان، إلى أنّ الاختلاف ينشب بين بعض الأطفال وينتهي دوماً بالطرق السلميّة بالحوار وبتذكير الأطفال بمبادئ الجمعيّة التي تسعى منذ انطلاقتها عام 1985 إلى إعادة لمّ شمل العائلة اللبنانيّة. وتشير إلى أنّ أطفال تعلبايا وسعدنايل الذين شاركوا في المخيّم الأخير تبادلوا الزيارات وناموا في منازل بعضهم تأكيداً منهم لقدرتهم على العيش معاً.
«في النهاية هم أطفال» يقول المدرّب كريم طرابلسي و«عندما يبتعدون عن محيطهم الغارق بالصواريخ والأسلحة، يفقدون شيئاً فشيئاً روح العدائيّة المتغلغلة فيهم. كانوا يرفضون البداية الجلوس قرب بعضهم حتّى باتوا اليوم يتواصلون بسهولة ويتشاركون في كلّ شيء». مضيفاً: «قلبهم من ذهب رغم كلّ الفوضى التي يحدثونها والعذاب الذي يسبّبونه. ورغم اختلافهم يتضامنون إذا أصيب أحدهم بمكروه، هم يعيشون التغيّر ويلهون بحضارة، مع أنّهم معتادون على اللهو بالتقاتل بسبب ذهنية العنف المترسّخة فيهم منذ ولادتهم»، خاتماً بالقول: «على أهل باب التبانة وجبل محسن المشاركة معاً في مخيّم مماثل».