يبيع مصريّون أملاكهم في بلادهم ليوفروا كلفة تهريبهم من مصر إلى لبنان. تتضمن الرحلة سيراً على الأقدام عبر الحدود وساعات من الحشر في صندوق السيارة، وكل ذلك بإمرة المهربين الذين يمثّلون سلسلة في كل دول المنطقة تتخطى الإجراءات الأمنية، ليسودوا كل الحدود
البقاع ـ أسامة القادري
أحمد، شاب مصري يعمل في إحدى محطات الوقود في البقاع. هو جامعي لم يتمكن من العثور على فرصة عمل تلبّي طموحه في بلاده، روى لـ«الأخبار» تفاصيل مغامرة رحلة التهريب من بلاده إلى لبنان. قال بلهجته المصرية: «عندنا وسطاء يوفّرون لنا تأشيرة دخول إلى الأردن على أننا مندوبون لإحدى وكالات السلع». أضاف أحمد: «بعت خمسة فدادين من الأرض لأتمكن من القدوم إلى لبنان». كلفة تأشيرة الدخول إلى الأردن 2500 دولار، و«برفقة 8 شبان مصريين، انتقلت إلى عمان حيث سلَّمَنا الوسيط إلى مهرّب يتعامل معه». يتنهّد أحمد ويمسح وجهه بيده كمن يحاول إخفاء تعابير الرضى بواقعه. يضيف: «بعدما قابلنا أبو الريف (المهرّب)، طلب من كل واحد منا 1300 دولار قبل الانطلاق. ولمّا أصررنا على تأجيل الدفع حتى الوصول إلى الحدود السورية، رفض إيصالنا إلا إذا سلّمناه جوازات سفرنا، وهذا ما كان. انطلق بنا المهرّب باتجاه الحدود السورية، وهاتف أشخاصاً أوحى حديثه معهم أنهم أمنيون. وعلى ضوء هذه الاتصالات، قابل شخصاً أبلغه بوقت الانطلاق بسيارته التي لم تتوقف عند الأمن الأردني. كنا 9 أشخاص في سيارة واحدة، فضلاً عن المهرّب الذي كان يقودها. قرب الحدود، سلّمناه المال، فأعاد إلينا جوازات سفرنا وحقائبنا، وعرّفنا على مهرّب سوري سيدخلنا إلى بلاده». يتابع أحمد شارحاً رحلته التي بدأت خطورتها تزداد شيئا فشيئاً: «لا تختلف طريقة التعامل بين المهرّبَين. رهَن جوازات السفر إلى حين وصولنا مقابل دفع 300 دولار عن كل واحد منا. دخلنا الأراضي السورية سيراً على الأقدام، وكان المهرّب السوري يتلقى تعليمات العبور بواسطة هاتفه. وعندما دخلنا الأراضي السورية، كان في انتظارنا باص نقلنا إلى دمشق. هناك، تلقّى المهرّب اتصالاً أبلغ فيه أن الطريق «مش نظيف»، فاضطررنا إلى المبيت في العاصمة السورية إلى اليوم التالي مقابل 500 ليرة سورية عن كل واحد». أما العبور إلى الأراضي اللبنانية، فالسؤال عنه يرسم ابتسامة على وجه أحمد: «كلّ المهرّبين زي بعضهم. عندما وصلنا إلى المنطقة الحرة في جديدة يابوس، ترجّلنا من السيارة، وانتقلنا سيراً على الأقدام في طريق وعرة. هناك تسلَّمَنا من السوري شاب لبناني. وبعدما نقدنا الأول المبلغ المحدد، سلّمَنا الحقائب وجوازات السفر». المهرّب اللبناني نقلهم في سيارته: «وضعنا بعضنا فوق بعض كأننا في علبة سردين، وانطلق بنا مسرعاً في طريق جبلية لنحو نصف ساعة. وهناك سلّمنا إلى شخص أوصلنا إلى منطقة أخرى سيراً على الأقدام من دون أن يعطيه أو يعطينا الحقائب والجوازات. سرنا لنحو ساعة لنجد السائق ذاته في انتظارنا». الانتقال إلى بيروت لم يكن بـ«اليسر» ذاته: فبعدما نقلنا من المنطقة الجبلية إلى أحد المنازل، وزّعنا «المعلم» على سيارتين كبيرتين تحمل على مقاعدها الخلفية بضائع. حُشِر كل أربعة منا في صندوق سيارة بطريقة لا تخطر على بال أحد». يذكر أحمد أن أحد رفاقه كان يعاني مرض الربو، وكاد أن يختنق لولا أن السائق كان يركن السيارة كل 10 دقائق ويفتح لهم الغطاء ليتنفّسوا. «وصلت السيارة إلى منطقة خالية، وطلب منّا المهرّب النزول إلى الأرض. وبعد دقائق قليلة، حضرت سيارة أخرى وصعدنا فيها إلى بيروت، وهناك تسلّمنا الجوازات والحقائب مقابل 250 دولاراً عن كل واحد منا».

المهرّبون والرشوة

أ. م. شاب بقاعي يمارس مهنة التهريب منذ سنوات. يقول «إن المهرّبين سلسلة متكاملة من السودان إلى مصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا والعراق، ويتواصلون عبر الهاتف». لا تختلف روايته عما ذكره أحمد، لكنه يعترض على آلية إدارة «معلمه» للعمل: «المعلم ديكتاتور، يقبض من الواحد 250 دولاراً، لكنني لا أتقاضى سوى 20 دولاراً على النقلة من سوريا إلى لبنان، أيّاً كان عدد المهرَّبين. ورغم ذلك، القانون لا يميّز، والصغير يُحاكَم كما الكبير». لا يرى المهرّب خطورة كبيرة في عمله، «فالمعلم يفتح الطريق عبر اتصالاته مع عناصر أمنية مناوبة». ويتحدّث المهرّب عن أسلوب جديد يعتمده مهرّبو الأجانب للهروب من الأعباء المالية المكلفة في «فتح الطريق». فالمهرَّبون يوضَعون في صندوق السيارة التي تكون معبّأة بالبضائع المهرّبة من سوريا، وبذلك تكون الكلفة أقل: 20 دولاراً عند الدرك و30 دولاراً عند الجمارك. أما عن سبب تحمّله هذه المخاطر مقابل أجرة عامل يومي، فيضحك باستهزاء، ويجيب: «أنجز في اليوم الواحد 3 أو 4 نقلات. وفي أحيان كثيرة أنجز نقلة واحدة لثلاثة «معلّمين»، وأحاسب كلّاً منهم على حدة.


أسهل الطرق

عصام، شاب مصري دخل مع رفيق له إلى الأردن، حيث التقيا بشاب أدخلهما إلى سوريا مقابل 50 دولاراً أميركياً. ومن دمشق، أوصلهما سائق تاكسي إلى الحدود السورية ــ اللبنانية لقاء 400 دولار، ثم قال لهما: انطلقا إلى لبنان. مشى الاثنان طويلاً وضلا طريقهما، قبل أن يرشدهما أحد المزارعين.