يصمّم الطالب إيليا المر مدرسة خاصة بالمكفوفين والذين يعانون ضعفاً في النظر، ويحلم بتنفيذ مشروعه بعدما اختبر يوميات الطلاب في مدرسة بعبدا للمكفوفين
ليال حداد

يتحدّث الطالب في قسم الهندسة المعمارية في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ALBA) إيليا المر عن مشروع تخرّجه بكثير من الشّغف. فبين العلم والجانب الإنساني وجد المرّ صلة الوصل ليبدأ العمل على تصميم مدرسة للتلامذة المكفوفين.
قد تبدو الفكرة مستهلكة أو قديمة، إلا أنّ الدراسة التي قام بها المرّ تمهيداً للبدء برسم خريطة مشروعه وبناء المجسّم «maquette»، تؤكّد أن في مشروعه أملاً جديداً للمكفوفين، وذوي الاحتياجات الخاصة.
لم يكن عمل المر سهلاً في البداية «منذ أن حصلت على موافقة الجامعة بالبدء بمشروعي، أمضيت شهراً كاملاً لا أجد أي مرجع أو وثيقة تساعدني على البدء بالمشروع، فلا مراجع في لبنان عن الموضوع، وحتى الكتب الموجودة في الجامعة لم تكن كافية». حاول التواصل مع أحد المتخصصين بالموضوع في إسبانيا، إلا أنّ مساعدته لم تكن كافية، وخصوصاً أنّ المرجع الوحيد الذي نصحه فيه لم يعد موجوداً في الأسواق.
استمرّ المرّ بالبحث إلى أن وجد مشروع تخرّج قدّمه أحد متخرّجي الأكاديمية منذ 15 عاماً، مشابه لما يقوم به، وقد ساعدته القوانين الدولية، لا سيما القانون الأميركي المختصّ بذوي الاحتياجات الخاصة، بتكوين تصوّر واضح لمشروعه.
لا يقتصر مشروع التخرّج على المكفوفين كلياً فقط، بل أيضاً على الذين يعانون ضعفاً في النظر يعيق تحرّكاتهم، هذا ما يؤكده المرّ مظهراً الدراسات والأبحاث الطبية التي قام بها، والتي استطاع من خلالها تحديد الحاجات الهندسية للمكفوفين.
ولتطبيق مشروعه، زار المرّ أرضاً في منطقة سن الفيل، وبدأ برسم الخرائط على أساسها «بهذه الطريقة يكون المشروع أقرب إلى الواقع».
يطمح المرّ لأن تستطيع أفكاره ومشروعه تحريك الجهات المختصّة، لا سيما وزارة الأشغال العامة «التي تقوم بعمل ممتاز، لكن دون أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات المكفوفين على الطرق». يكمل المر شرح فكرته مستعيناً بخرائطه لإظهار المشكلات التي يعانيها المكفوفون على الطريق، لا سيما في اجتياز الطرق، «عندما وضعوا إشارات السير في لبنان لم يضعوا تلك المختصة بالمكفوفين التي تعتمد على الصوت».
وفي المجسّم الأولي الذي بناه المرّ، بدا الاهتمام بأدقّ التفاصيل واضحاً، لا سيّما اختيار الألوان التي تساعد من يعاني ضعفاً كبيراً في النظر على تمييز طريقه. ويشدّد المرّ على أنّ ما هو شائع عن دمج الألوان خاطئ «فالجميع يظنّ أنّه علينا أن ندمج الأحمر والبرتقالي سوياً، لأنهما قريبان من بعضهما بعضاً، هذا تفكير خاطئ، إذ يجب على التلميذ الذي يعاني صعوبات في النظر أن يستطيع تمييز الألوان ليدرك كيف يسير». يدخل المرّ في أدق تفاصيل المشكلات والصعوبات التي تواجه المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، مستعيناً بعشرات الدراسات والكتب التي قرأها قبل البدء بمشروعه، «لا يمكن أن أبدأ بتصميم المدرسة دون أن أقوم ببحث كامل يسمح لي البدء بالرسم»، لذلك مثّلت ضروريات المدرسة وتفاصيلها المرحلة الأخيرة من دراسته. تتضمّن هذه المرحلة الوسائل التي يجب استخدامها في المدرسة وطريقة تصميم الصفوف والحدائق والباحات.
ويقسّم مشروع التخرّج إلى ثلاثة أقسام وهي: «APS»، أي المرحلة التي انتهى منها المرّ حالياً والتي تقضي بتقديم مفهوم مشروع التخرّج والأبحاث الأولية. أما المرحلة الثانية وتدعى «APD»، وهي المرحلة التقنية، التي من المفترض أن يقدّمها في أيلول المقبل. والمرحلة الأخيرة وهي المرحلة التنفيذية والشكلية حيث يقدّم المجسّم الأخير للمدرسة.
يذكر أنّ مشروع المدرسة لم يكن الفكرة الأساسية التي أراد المر تنفيذها للتخرّج. ففي البداية حاول العمل على كنيسة بيزنطية «مودرن»، إذ إنّ هندسة هذه الكنائس تخطى عمرها ألف عام. ولكن مصاعب عدةّ واجهته فقررّ العمل على تصميم مدرسة هادفة، لذا اختار مدرسة المكفوفين.