strong>شارفت الامتحانات الرسمية على النهاية، وبدأ الطلاب يستعدون للنتائج. فالأهالي يقطعون الوعود لأولادهم بالهدايا والأموال في حال النجاح، وبالتهديد إذا رسبوا. لكن الوعود تمثّل وسيلة ضغط مخفية على الطلاب فيختلف ردّ الفعل عند الرسوب وقد يصل إلى إيذاء النفس هرباً من القصاص
قاسم سهيل قاسم
لم تكن أم محمد تعلم بأنّ السيارة والشقة التي وعدت بهما ابنها في حال نجاحه في شهادة الثانوية العامة في قسم علوم الحياة سيتحولان إلى نذير شؤم على العائلة. فكل ما كانت تأمله الوالدة أن يصبح ابنها الوحيد مفخرة للعائلة «وشوكة في عين الحاسدين». انكبّ محمد على الدرس لمدة 18 ساعة في النهار، وقد ضمن نجاحه مسبّقاً لكونه من المجتهدين، فركّز اهتمامه على نوعية السيارة ومكان شقته الجديدة. لكنّه لم يحصل على بطاقة الترشيح نتيجة تقصير المدرسة ما مثّل صدمة نفسية له وللعائلة. دفعت حالة محمد النفسية المتدهورة عائلته إلى نقله إلى إحدى عيادات الطب النفسي بعدما بدأ يهذي بأسماء أساتذته، موادّ درسه، وببطاقة الترشيح التي لم ينلها.
ويشرح الطبيب المعالج لعائلة المريض أنّ محمد تعرض لصدمة نفسية عنيفة، تهدمت فيها أحلامه ولم يستطع أن يتقبّل الفكرة، وخصوصاً أنه كان متأكداً من نجاحه، فأدت الصدمة التي تعرض لها إلى هذيانه.
قصة محمّد، تتشابه مع قصص كثيرين من الطلاب، إلّا أنّ النتيجة لا تكون دائماً واحدة. إذ تتذكر فريدة شقيقها سميح، الذي انتحر وهو في السادسة عشرة من عمره. لم يكن والد سميح يسمح له بالخروج من المنزل قبل الامتحانات، حتى إنّه كان يلحق به إلى الحمام إذا تأخر. وتروي فريدة كيف كان والدها يقف على باب الحمام، ويستعجل سميح للخروج، «كان يتهم سميح بإضاعة وقت الدراسة في الحمام والنوم هناك». كما كان الوالد يلجأ إلى التهديد مردّداً على مسامع سميح «إذا فشلت فلن تكمل جامعتك، ولن تحصل على أي شيء منّي أو من أي فرد من أفراد العائلة، وستتحول إلى الفاشل الأول في عائلتنا».
تؤكد فريدة أنّ شقيقها كان ذكياً، ولكن ضغط الوالد أثّر عليه فلم يعد يركّز في امتحاناته. وتروي كيف عاد سميح بعد اليوم الأول للامتحانات إلى المنزل، وراجع كتبه فاكتشف أنّ ما حلّه كان خاطئاً. خاف من رد فعل والده فما كان منه إلا أن شرب قنينة «ديمول». لم يكن سميح يرغب في الانتحار، بل كان يريد دخول المستشفى وتفادي غضب الوالد. لكن الحظ لم يحالف الابن الخائف فوجدته أمه ميتاً، في صباح اليوم التالي وبجانبه رسالة تشرح سبب فعلته.
على صعيد آخر، يتناقل سكان قرية مركبا قصة ابن أحد أساتذة الضيعة الذي شرب أيضاً «الديمول» بسبب فشله في المدرسة. كان الأب قاسياً على ولده كما يقول علي أحد أبناء الضيعة، ويريد منه أن يكون متفوقاً ولم تكن ترضيه حتى علامة جيد جداً، فهو الابن البكر لأستاذ ومربي أجيال ويجب ألّا يحصل على علامات متدنية.
ازداد الضغط على الابن، وخصوصاً بعد رسوبه في الامتحان الرسمي للشهادة المتوسطة، فأقدم على الانتحار خوفاً من غضب والده. ومن يومها تغيّر تعامل الأستاذ مع أبنائه وتلامذته، فيما بقي سكان المنطقة يتساءلون عمّا إذا كان من الضروريّ أن يفقد هذا الأستاذ أحد أبنائه ليعلم أنّ الحياة أغلى من كل الشهادات؟.
أما حسين إبراهيم، فيروي قصة صديقه علي، الذي حاول الانتحار أمام زملائه لولا أنّهم أمسكوه قبل أن يرمي نفسه من نافذة الصف. يومها سلّم علي مسابقة الرياضيات من دون أن يكتب شيئاً فيها، فبدأ بالصراخ في الملعب ثم لاحظ التلامذة عدائيته الزائدة تجاه أصدقائه وتجاه نفسه. ولدى وصول التلامذة إلى الصف بدأ علي بالبكاء وتوجيه الشتائم إلى الجميع، ثم ركض نحو النافذة ليرمي نفسه. يضيف حسين «كنا نعلم بأنّ والده رجل قاسٍ، فهو ضرب علي مرة أمامنا في الملعب». يخاف حسين على صديقه علي فهو إنسان ذكي، وصاحب شخصية قوية، ولكن والده إنسان ظالم.
ماذا يقول علم النفس؟
تشرح الدكتورة نجاة إبراهيم أنّ فشل التلميذ يجعله يطرح تساؤلات عن وضعه، وخصوصاً إذا أعطى أقصى ما عنده، فيأتي ردّ فعله إما بالانكفاء والعزلة أو بالعدوانية تجاه نفسه أو الآخرين. وتعزو إبراهيم سبب رد الفعل غير السويّ هذا إلى الأهل. فهم مسؤولون بالدرجة الأولى عن تهيئة الأجواء المناسبة لأولادهم قبل الامتحانات، فالحوار معهم من أفضل الأساليب التي يمكن اتّباعها. وتضيف إبراهيم إنّ «أسلوب المقارنة بين الإخوة يسبّب الضغط لأنّه ليس هناك شخص مثل الآخر، ومن الأفضل التفاف الأهل حول أولادهم وتأمين جو من الراحة».


ألبرت أينشتاين

تأخّر ألبرت أينشتاين في النطق فكان يجلس صامتاً متأملاً في صفوف المدرسة. وفي إحدى المرّات طرد أستاذ الرياضيات أينشتاين فترك المدرسة، معتبراً أنّها تضع حداً لإبداع التلميذ. لكنّه تابع دراسته في المنزل وأحب علوم الطبيعة والرياضيات