أنسي الحاجرُحْ ما وراء، اتركْ بلا انكسار، بلا مسيحيّة، بلا غطاء. كن ذئبكَ فوق الريح، كنْ صميم حَجَركَ الكريم، كن صلابتك كما تكون ارتخاءك، ارفع قلبك، غادرْ شجرتك، أطفئ نور الغرفة، دع لصوص الحقيقة يرتاحون في الظلام، اكسرْ هذا الباب!
ارفع قلبك!

الأسف يُغصِّص والماء يجلو والحسرة تُغضّن والماء يُملّس
الماء إياب النار
الماء شامبانيا النار
الماء أنثى العالم!

خطأً أمسكتُ الكتاب الصغير بالمقلوب
فإذا الجبلُ والبحر والأرض تدلّتْ كلّها بالمقلوب.
أنا لا أكتب بل أسامر وحشتي كي لا تبكي.

ماذا كان الرجال ليفعلوا لولا قدرة النساء على المخالفة؟
ماذا كان يفعل الرجال لولا هذا الخطر الذي يُُنسيهم حوادث مرور العمر
لولا تلك الخيانات الموصى بها عكسيّاً في القوانين؟

اصعدي إلى سطح البيت وافردي غسيلكِ الأبيض على حبال خَيال الجار. يَسمعُ حفيفَ الريح والثياب والملاقط فيراكِ عاريةً أكثر مما لو كنتِ عارية. يراك بنَهم العين التي لا يقوى عليها الموت. لا تتظاهري بالابتسام، فحركات جسدكِ مضيافة دون كلام. السائرة فوق السطح أحرُّ دعوة من الجالسة إلى النافذة، لكنّ الجالسة إلى النافذة أكثر استعداداً.
هكذا شأن الخباء، والاستقواء بالستارة. ومع هذا لا يُجارى تلاعُبُ السطوح وهواؤها الفاتح. لا يجاريه إلّا تعتيم الدنيا حين تغادرين. الخيال بلا حدود ولكنه بلا صبر أيضاً. والسطوح أسعد من الأعماق، شرط أن لا تخلو السطوح. لأنها عندما تخلو يغمض الجار عينيه حسرةً ويستسلم إلى غول الأعماق، هناك في القاع، حيث نتعلّم الهزيمة.

أنتَ مجموع ضحاياك؟ ضحاياك أيضاً مجموع روحك.

جمالٌ تُلطّخه وجمالٌ يلطّخك. متعة الثاني أطول عمراً وأخفّ حمْلاً.

ما يُحَبُّ فيكَ هو ذاته ما يُكْرَه.
الشرق هو نفسه الغرب، عبثاً تتملّص. إن لم تقع في الشبكة الزرقاء ستقع في الشبكة السوداء. سعيدٌ هو الحَجَر وحده.

الشارع حقلي وأنا في الشارع، وأنا في البيت الشارع أيضاً حقلي تحت مصفاة الجبين، الشارع الهواء السماء الوحل الطّيب. الشارع ابن الوحدة، عدوّ الجفصين، باسط الأمان بالمجان. انظر إلى هذه الصبيّة، من لحظةٍ كانت ذابلة في دارها، انظر كيف تنساق الإرادات وراء حركات فخذيها، كيف قد ينعقد قَدَرٌ على مشيتها. في الشارع تتقرّر فجأة مصائر اللحظة العابرة، والحقّ الحقّ أقول لك إنها أجمل المصائر.

عدم أمان الممكن، الفرصة المتاحة بسهولة، تلاشيها، المخبوءات حيث لا شيء، اللّاشيئات المطلّة على مفاجأة، الفوري المؤجّل، إيقاع الانتظار المنبعث من مَرَح دوامة البحث، حيث لا تعود الأرض قَفَصاً، ولا الغرباء أعداءً، ولا الأعداء مخيفين إلّا بمقدار ما هو الخوف جاذب لا إلى النجاة بل إلى السرير.

هذه الكلمات متتابعة رغم ما يبدو.
ليست مقالة ولا قصائد. لا وجه ولا قناع.
السبت صُنع أيضاً لنعمل ما نُحبّ، لكي لا نعمل ما لا نُحبّ، لكي يَفتح لنا من نَقْرع بابه فلا يجد أحداً على العتبة...

حبّي أزْغَر منكِ. حّبكِ أكبر منّي.
لا يروي الظمأَ غيرُ كأسٍ غبيّة.
الكأس الذكيّة مهما صبّتْ لكَ لا ينتهي عطشك.
ليس الفم وحده ما لا يرتوي إن لم يرتوِ، بل هيئة الساقي حين تحفر في الظمأ كما يحفر الماءُ الماءَ في الينبوع.

لا تسألْ عن الصواب. الصواب هو هذا التردّد الطفوليّ، ثم حميّا الارتماء. لا تطلب عود ثقابك من أحد.

غير صحيح أن المرء يشبه فريسته:
الأسد لا يشبه الغزالة
والرجل لا يشبه المرأة.
اللهاث على زجاج النافذة هو بخار الضَّجَر كما هو حَبَاب الشوق
فلا تكتبْ عليه بإصبعك غير ما يُفرح المرسَل إليهِ
لأنّه سوف يصل إليه.
حين ينتهي الليل نعرف كم كان قصيراً
وهنيئاً لمن حين ينتهي عمره يقول: آهٍ كم كان طويلاً!
ما كان مأهولاً يغدو مسكوناً
وما يلوح كأنه الفجر هو طِيبةُ الليل...
هكذا هو التذكار مالئ الزمان السابق للنهاية.
صورة واحدة بمئات الوجوه.
الاستعادات ذاتها لحفنة لحظات
لحظات اخترقت منكَ الجدار
لحظات التسلّل إلى خَزْنة الرأس
لحظات استقبال المُعيب البديع
لحظاتٌ مثقالُ حبّةِ الفستق
وندعوها تجارب الحياة.

لا تقل إنك كنت تحتاج إلى بعض الوقت
فلو أُعطيتَ كلّ الوقت لظللت تقول إنك تحتاج إلى بعض الوقت
جرس هاتفك يرنّ دوماً في الغرفة الخالية
وليست الفرصة هي ما يهرب منك
بل يَدكَ هي التي تضلّ المصافحة.

لا مناسبة لهذا اللغو غير فائض المناسبات
لِمَنُ لا يَهفّ قلبه لغير الأطفال
لمن تَركَ النجاحَ لحساب الأمل
لمن يصمّم اليوم أن يمشي غداً على درب جديدة ويمشي كلّ يوم على الدرب ذاتها قائلاً: غداً سيكون اليوم.
لمن أحياناً يتعرّف ولكنْ فقط على ما كان ينقص الذكرى
لمن لم يستطع أن يمنع الذين غابوا من أن يغيبوا
لمن لا يستطيع أن يراهم الّا أحياءً وعيونهم تقول القلب.
تقول الحياةَ الدائمة...
أيّ مخدّر ذاك الذي يَجْعلنا نُصدّق
وأين دموعُ الأشياء بعد أن نتركها؟