فايز فارسبرزت الحاجة إلى منظمات دولية وأخواتها المنظمات الإقليمية، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وتكاثرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وانهيار الإمبراطوريات الأوروبيّة وتحالفاتها القديمة التي نتج منها تحرّر الشعوب من نير الاستعمار واكتسابها شرعيّة دوليّة.
ومن المتفق عليه أنّ هذه المنظمات قامت وتطوّرت من أجل التدخل في الأزمات التي نشأت أو قد تنشأ بين دولتين أو أكثر ومساعدتها على سلوك طريق المصالحة وتسوية الخلافات التي تستند في أغلب الأحيان إلى نزاعات على الحدود أو ادعاءات بملكيّة حصّة ما في ثروة جوفية مشتركة أو أحقيّة في المرور أو نتيجة خوف مزمن من اعتداء متوقع إن لم يكن قد وقع وأضرّ.
لكن أن تتدخل منظمة، دولية كانت أو إقليمية، في الشؤون الداخلية لأي بلد أو دولة، أو تُستغل لتغطية تدخّل دولة ما في شؤون دولة أخرى، فهذا أمر يتخطّى الأهداف والغايات الأساسيّة التي من أجلها قامت هذه المنظمات. وما الحجّة القائلة بأن على دول «العالم الحر» الوقوف صفاً واحداً من أجل مواجهة سياسة دولة ما «تهدد» بشكل من الأشكال، السلمين الإقليمي والدولي، سوى اجتهاد قديم أدّى بسبب سوء تطبيقه إلى وقوع حربين عالميتين كانتا كافيتين لتدمير دول القارة الأوروبيّة الكبرى وخسارتها مستعمراتها المنتشرة في جميع أقطار المعمورة.
فدول «العالم الحر» لم تكتف بهذه النظرية بل أضافت إليها مقولة أخرى تقضي بأن تتفق مجموعة «مختارة» من الدول الكبرى على «ضرب طوق» حول عنق كل دولة تمتلك ثروة طبيعية وحيوية تفوق حاجتها، بينما تتعطش إلى الحصول عليها دول أخرى، كالنفط أو المياه على سبيل المثال لا الحصر. وما دول الشرق الأوسط العربي ــ الفارسي وما تمتلك من ثروات طبيعية هائلة سوى المثال الصارخ على هذا التحول في أهداف وغايات وأساليب عمل جميع المنظمات الدولية ومتفرعاتها.
كذلك قرّرت بعض تلك الدول الكبرى إنشاء منظمات وأحلاف عسكرية تفرض قوتها على الآخرين بحجة الدفاع عن حدودها ومصالح شعوبها في مواجهة «أعداء افتراضيين» بسبب عقد موروثة من حروب ماضية أو «اختلاف» في الدين والثقافة... وبهدف المحافظة على السلمين الإقليمي والعالمي. وعلى هذه الأسس قامت صناعات وساد نظام إنتاج واستهلاك جرى تطبيقه في دول الغرب، الأوروبي والأميركي، ليشمل خلال ثلاثة عقود كل دول العالم، وبخاصة تلك الدول الناشئة والغنيّة بثرواتها الطبيعية.
ولم يكتب لدولة ما أو مجموعة دول النجاح في تنفيذ خطة واحدة من تلك الخطط المبرمجة التي وضعتها وأوكلت عملية تنفيذها إلى تلك المنظمات الدولية إلا بعد عناء وجهد وتضحيات كبرى، ذهبت أحياناً أدراج الرياح والنسيان.
إنه التحدّي الأكبر الذي هدّد وما زال يهدّد الإنسانيّة جمعاء منذ نصف قرن مضى. ورغم ذلك نرى الولايات المتحدة تستميت في سعيها إلى تحقيق عولمة تسمح لها بالتدخل في جميع شؤون الدول، فتلجأ إلى الترغيب حيناً، والترهيب أحياناً، وبكل الوسائل والأدوات الشرعيّة وغير الشرعيّة من أجل إنشاء اتحادات وأحلاف لدول خاضعة لسياساتها الكونيّة، ومواجهة قوة روسيّة نامية وصعود صيني صاروخي واتحاد آسيوي بزعامة هندية وشرق أوسط معاند مقاوم واتحاد متوسطي ناشئ ومكمل لاتحاد أوروبي يحاول التملص من سيطرة حلف شمال الأطلسي.
ويكفي جمهورية إيران الإسلامية القبول بالتعاون مع المؤسسات والشركات الأميركية أو الأوروبيّة الغربية كما فعلت وتفعل بعض الدول العربية مثل مصر وليبيا والأردن، حتى تستقيم العلاقات بينها وبين غرب لا يشبع. وما المفاوضات والمباحاثات الجارية حالياً بين دول الاتحاد الأوروبي وأميركا، كلّ على طريقته، وإيران، سوى الدليل الوافي على تمكين المصالح الوطنية من تحقيق ذلك التوازن «المثالي» بين المصالح الوطنية لبلد ما ومصالح دول سبق لها وحاولت بكل ما أوتيت من قدرات على إحكام السيطرة العسكرية والهيمنة الاقتصادية على قرارات وثروات ذلك البلد المعاند أو تلك المجموعة القاريّة.