مازن عبوديدأب أصحاب السعادة على أن يطعموا «أصحاب التعاسة»، كما يسميهم الشاعر جورج جرداق، أي الشعب، أطباقهم السياسية يومياً وفق موضة «menu». ولله الحمد، إذ إن غالبية الشعب تتقبّل مذاقات زعمائها بسرعة دون سؤال او استفسار.
إلا إنّ فئة يسيرة من «أصحاب التعاسة» تبدو مقلقة بحق الطباخين، إذ إنها لا تلتهم «menu» أو ما أعده الساسة من طبق يومي متكامل بسعر مقبول، بل إنها تلجأ إلى طلب أطباق متباعدة، أي إنها تفضّل الأكل A La Carte.
وهذه الفئة على قلّتها، هي مزعجة بحق كلا المطعمين الكبيرين في البلد، اللذين يسعيان لأن لا يكون ثالث لهما. ويلجأ كلا المطعمين إلى الاستعانة بالـ«زجالة» من أهل الإعلام لإضفاء نكهة خاصة على الأمكنة، حتى إن أسعار أولئك أضحت عالية للغاية وبخاصة إذا ما كان هذا الزجال أو ذاك ينتمي إلى شريحة معاكسة للمكان الذي يردد فيه زجله.
الا أن صاحبي ينتمي إلى هذه الفئة التي قرفت غالبية الطباخين من كلا الطرفين. إذ إنه اكتشف أن وجباتهم تستقدم من الخارج، وأنهم، في غالبية الأحيان، عاجزون عن إضافة حتى الملح إليها. لكن إذا ما أخرجت تلك الأطباق الجاهزة إلى الزبائن، راحوا يتباهون بمقدراتهم ويدافعون عن فنونهم وطرائفهم.
وعندما يتصارع الطباخون يضيع الطبيخ وتجوع الناس. وبلده قد عانى الكثير من جراء ذلك إبان الحرب الكونية كما أبلغه جده.
أضحى صاحبي يزرع كل ما يلتهمه، إذ إنّ الطرفين قد أمسكا بمصادر تمويل الطبيخ، كما بشبكات توزيعها.
لقد أضحى المسكين مضحكاً على شاكلة دون كيشوت يحاول أن يرسي خطا، خط يشكل هو وبعض المجانين من شاكلته نواته. فلا يستطيع أن يصل أو يوصل كي يغيّر. وحسبه أنّه لا أحد يستطيع ان يغير، إذ إنّ غالبية القادة هم ركاب في أحد القطارات التي تسير بهم إلى حيث لا يدرون. ويبدو أن ثمن «السياسة A La Carte» أن تنبح في عالمك وحيداً. إنه ثمن الحرية والسيادة على الذات التي أراد صاحبي أن يحافظ عليها. وما أحلى الكلاب اذ إنها وفية لا تنبح إلا دفاعاً عن قناعاتها وصحابها!