strong>يقدّم سبعة تلامذة امتحانات الشهادة المتوسطة في مركز سرطان الأطفال في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد تفقد أمس وزير التربية أوضاع الممتحنين وحاجاتهم
فاتن الحاج
هنا لا مجال للشفقة والاضطراب، فالمكان معدٌّ لإنجاز امتحانات رسمية مريحة واستحقاق النجاح بجدارة. في الطبقة الرابعة من مركز سرطان الأطفال في الجامعة الأميركية (سان جود)، يجلس سبعة تلامذة في بيتهم
، حيث يتعايشون مع المرض وينجحون في تحدي معاناتهم، وإن بصعوبة ملموسة. «فالتركيز على الدرس متعب جداً، ومع أنّ أهلي يطلبون مني عدم الإجهاد، أصرّ على المتابعة، لأنني أطمح إلى اختراق عالم الطب بعدما اختبرته عن كثب»، تؤكد نور من مدرسة الحكمة برازيليا، بثقة. «بقوّة» استعدت حنين من متوسطة عاليه الرسمية للامتحانات، بعدما خشيت أن تكون الأسئلة أكثر تعقيداً. حنين رفضت الحديث عن المستقبل مكتفية بالقول: «بعد بكير لنحكي».
وفيما آثر بعض الممتحنين في الشهادة المتوسطة التحفظ عن الكلام على أوضاعهم، لم يمانع محمد اقتحام قصته، وبدا متحمساً للاستحقاق، يحدوه الأمل بالتفوق ومتابعة الحياة بعدما أنهى لتوّه العلاج الكيميائي، وباتت زيارته للمركز تقتصر على المراجعات الطبية ومراقبة طبيبه المختص. يحلم محمد من مدرسة قانا بأن يصبح رجل أعمالٍ مشهوراً، بعدما يتخصص في هذا المجال.
في الخارج، يترقب الأهالي بصمت خروج أبنائهم من قاعة الامتحانات، يلتقطون أخبارهم من المتطوعين الذين راحوا يطمئنونهم على أوضاع الداخل.
لكن أجواء الارتياح التي توفرها وزارة التربية بإشراف المربي محمد زعيتر من جهة، ومركز سان جود من جهة ثانية، للسنة الرابعة على التوالي، لا تنفي مطلب القيّمين باستحداث برامج دراسية خاصة وإعداد امتحانات قصيرة تناسب الطاقات الاستيعابية للمرضى التي لا تتجاوز 40 في المئة من مضمون المنهج الحالي، كما يقول المشرف الأكاديمي حسان الداعوق. ثم يستدرك: «قد يكون المشروع طموحاً ويحتاج إلى تمويل كبير، لكننا نصر عليه». ويتحدث الداعوق عن 60 طالباً خاضوا الامتحانات الرسمية حتى الآن بعدما روّضوا المرض، فيما تغيّرت حياتهم بعد استكمال دراساتهم الجامعية، ولدينا عدد منهم سيتخرّج هذا العام. يذكر أنّ فريقاً من المتطوّعين يواكب الطلاب ويساعدهم على تخطي الصعوبات الأكاديمية، وخصوصاً أنّ جزءاً لا بأس به يضطر للتغيّب عن الصفوف فترة طويلة.
وكان وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني يرافقه المدير العام للتربية فادي يرق قد زار أمس مركز سان جود، وتوجه إلى الممتحنين بالقول: «نحن في الوزارة مهتمون بكم وبمستقبلكم، وقلوبنا معكم، وحاضرون لتلبية كل طموحاتكم». ثم أبدى قباني إعجابه بالروح المعنوية المرتفعة التي يتمتع بها الأطفال المرضى.
وقال: «نؤمن هذا المركز لإجراء الامتحانات بالتعاون مع المسؤولين الأطباء والطبيبات والعاملين الذين لا يعطون من علمهم فحسب، بل من قلوبهم وفكرهم، ويسهرون على أطفالهم، ويعتنون بهم عناية الأب والأم. وقد آثرنا أن نجري الامتحانات داخل المركز الذي يؤمن المناخات الملائمة الصحية والنفسية، عوضاً عن أن ينتقلوا إلى مكان آخر غير ملائم، لجهة ما يعانون من أمراض صعبة». وأضاف: «هذه الزيارة أعطتني شخصياً روحاً معنوية وجعلتني أشعر كم أنّ لدى أولادنا إرادة قوية رغم ما يعانون من صعوبات وآلام، وهم يحلمون بأن يكون لهم مستقبل يبنونه بأنفسهم».
أما مركز سرطان الأطفال في لبنان فهو مركز إقليمي لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان، وهو ملحق بمستشفى سانت جود الأميركي في ولاية ممفيس. كما يعمل بشراكة وثيقة مع مركز بيروت الطبي التابع للجامعة الأميركية. ويقدم المركز نوعين من العلاجات: خارجية وداخلية، ويتيح الفرصة للأطفال للإفادة من آخر ما توصلت إليه الأبحاث من علاجات، بصرف النظر عن قدرتهم على دفع التكاليف. فالمرضى يعالجون من دون أي مقابل، وبغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية.
وتبلغ كلفة علاج الطفل 35 ألف دولار في السنة الواحدة، وتستغرق مدة العلاج ما معدله ثلاث سنوات. وقد بلغ عدد الأطفال المعالجين في المركز حتى مطلع عام 2008 الجاري 502، أنهى 288 منهم علاجاتهم. ويستقبل المركز نحو 80 طفلاً سنوياً.