يحتضن مبنى السيدة للمدرسة الأكاديمية التابع لمؤسسة الكفاءات في الحدث 49 تلميذاً من ذوي الاحتياجات الإضافية، يتقدمون لامتحانات الشهادة المتوسطة (البريفيه). وتتنوع حالات المرشحين بين الإعاقات السمعية والبصرية والنفسية ــــ حركية المتنوعة، والبكم والشلل الجزئي والدماغي، والحساسية المفرطة في التنفس، والصعوبات التعلّمية. وقد رافق التلامذة الممتحنين عدد من المساعدين ومنسقي التربية المختصة في المؤسسات
فاتن الحاج

ترافق الحاجة عائشة حفيدتها التي تعاني من إعاقة بصرية إلى مركز امتحانات الشهادة المتوسطة في مؤسسة الكفاءات. تجلس المرأة السبعينية وزوجها أمام المركز، يترقبان بصبر ما ستفعله «ابنتهما» الذكية والمجتهدة، على حد تعبير الجدّة. تشرح الحاجة بحماسة تختنق بالدموع: «ابنتي في عملها ولا تستطيع إحضار ابنتها، لذا أرافقها وجدّها لتقديم الدعم النفسي الذي تحتاج إليه، لا سيما أننا نتابعها منذ البداية، وقد كنا نسهر معها حتى بعد منتصف الليل». تبدو الجدة متفائلة حيال نجاح الحفيدة التي تندمج في مدرسة عادية، و«الأهم أنّ عمرها لا يتجاوز 14 سنة».
ينسحب الحرص على أم علي وأم عباس اللتين حضرتا أيضاً لتعزيز الثقة في قلوب الأولاد، وإن كان هؤلاء ينشدون الاستقلالية والاعتماد على النفس، ولا يقبلون أن يتفوق عليهم أحد، كما قالت أم عباس، «لكننا هنا من أجل رفع معنوياتهم». أما أم علي فأتت خصيصاً من الجنوب للغاية نفسها، «مع أنّ الضغط والتوتر أقل هنا، والمركز يوفّر المساعدات التقنية وأجواء الراحة».
في الطبقتين الثالثة والرابعة لمبنى السيدة التابع للمؤسسة، ثمة متميّزون كما يرغب المتخصصون تسميتهم، يجرون استحقاقهم بهدوء. يعالجون الأسئلة ضمن الممكن، لكونها لم تتكيّف بما يتناسب مع قدراتهم. بعضهم يستعين بمن يكتب عنه، وآخرون يقرأون حركات الشفاه ويراقبون الإشارات وينتظرون تفسيرات المراقبين للغموض في بعض الأسئلة.
«المواد العلمية ثقيلة علينا»، يقول محمد سموري الذي يعاني صعوبات في تحليل النصوص، ومع ذلك «بيمشي الحال بس يساعدونا وأنا شخصياً درست وعملت برنامج مشيت عليه». أما فاطمة الرز فتجري امتحانها ببطء، لكنّها تبدو واثقة من النتيجة «لا أجد أية صعوبة في الأسئلة، فقد أعدّت دراسة المنهج أكثر من مرّة، وبذلتُ جهوداً قوية لأصل إلى هذه الدرجة من التركيز، علماً بأنني أشكو قصراً في الذاكرة». تطمح فاطمة إلى خوض الصحافة في المستقبل.
من جهتهم، لا يخفي المراقبون والمتخصصون الصعوبات التي يواجهها الممتحنون في فهم الأسئلة بالطريقة المطروحة بها، وقد عانوا خصوصاً من مادة الفيزياء. وتمنت منسقة التربية المختصة في ثانوية الكوثر التابعة لجمعية المبرات مريم نصر الدين لو أنّ الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية تُستكمَل بإعداد امتحانات مكيّفة تجعل التجاوب أفضل والمساندة أقل. وأوضح جلال كركي من مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية أنّه لم تجرِ مراعاة اللغة التي تدرّس بها بعض المواد العلمية في بعض المؤسسات، ما اضطر بعض المرافقين إلى ترجمتها من الأجنبية إلى العربية، وهذا الأمر استغرق وقتاً وأحدث إرباكاً في صفوف الممتحنين.
وأشارت فاتن سلام من مؤسسة الأب أندويخ للصم إلى أنّ المؤسسة تعطي برنامج الشهادة المتوسطة على مدى سنتين، كما أننا نحرص على استخدام النطق وقراءة الشفاه أكثر من لغة الإشارة. على صعيد آخر، لفت المتخصصون الانتباه إلى أهمية أن تتلاءم أسس التصحيح مع حاجات التلامذة لجهة تماسك النص وطريقة الخط.
يذكر أنّ التلامذة توزعوا على الغرف وفقاً لحالاتهم، وقد بلغ عدد المرشحين 53 تلميذاً، تغيّب منهم أربعة تلامذة. وشوهد تلميذ كفيف واحد يعالج الأسئلة بطريقة البرايل. أما بالنسبة إلى الوقت المخصص لإنجاز المسابقة، فقد أضيفت ربع ساعة إلى كل مسابقة على الأقل.
وقد توقف رئيس المركز أنيس وهبي عند عدد المراقبين (23 مراقباً) الذي لم يكن كافياً لمراقبة 49 تلميذاً، فهناك 19 تلميذاً يحتاجون إلى من يكتب لهم. والمشكلة في الدعوات الموجهة للمراقبين أنّها لا تراعي، بحسب وهبي، لغة المراقب، ما جعلنا نتخذ تدابير استثنائية في اللحظة الأخيرة، وخصوصاً أنّه بقي أربعة طلاب لم يجدوا من يساعدهم، لافتاً من جهة ثانية إلى أنّ هناك مشكلة لدى المرشحين أنفسهم الذين لا يحددون نوع اللغة والإعاقة في طلبهم.
لا يغفل وهبي الحديث عن الأسئلة الناقصة حيناً، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمكفوفين، والمعدّلة بلغة وغير المعدلة بلغة ثانية أحياناً أخرى. ويؤكد أنّ مركز الحالات الخاصة يستوجب اهتماماً أكثر خصوصيةً لجهة اختيار مراقبين يتمتعون بحس إنساني للمساهمة في مساعدة الطلاب، كما ينبغي التركيز على نوعية الأسئلة ووقتها، وخصوصاً أنّ هناك لجنة اختارتها وزارة التربية والتعليم العالي تضم متخصصين يهتمون بأقلمة المناهج بما يتلاءم مع ذوي الاحتياجات الإضافية.
تجدر الإشارة إلى أن الممتحنين ينتمون إلى مؤسسة الكفاءات، دار الأيتام الإسلامية، مجمع دوحة عرمون، مدارس المبرات ــــ ثانوية الكوثر ومؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية، مدرسة الأب أندويخ للصم، فضلاً عن بعض الطلبات الحرة.
وكان وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني قد تفقد الامتحانات في مبنى السيدة التابع لمؤسسة الكفاءات، رافقه المدير العام للتربية فادي يرق. وكان في استقبال الوزير والوفد المرافق مديرة العلاقات العامة في المؤسسة مريام شويري.
واطمأنّ قباني إلى مدى تجاوب التلامذة مع أسئلة الامتحانات، وأوصى بإتاحة الوقت اللازم واتخاذ تدابير استثنائية، وخصوصاً لمن يعاني البطء في الكتابة والتفكير.
ودعا قباني إلى تقديم الرعاية والعناية التقنية والنفسية والاجتماعية، واعداً ببذل مزيد من الجهود لاحتضان نفسي هذه الفئة التي يجب «أن ننظر إليها نظرة خاصة ونوفر لها الإمكانات والطاقات لتبلور نفسها وتثبت قدراتها».
وعن التدابير الخاصة للمرشحين، قال: «اتخذنا إجراءات معينة لجهة البناء ومكان إجراء الامتحانات والوقت المخصص لإنجاز المسابقات، ونقدّر الجهد الذي يقوم به الأهل لتأمين الأجواء الملائمة للتلامذة». يذكر أنّ اختيار مركز الامتحانات الخاص يجري مداورةً بين المؤسسات المعنية بالحاجات الخاصة.