strong>تُبحر الطالبة في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية في عالم الرواية حيث تتخبّط بانفعالاتها بحثاً عن النضج الثقافي والحيوية الإنسانية المبدعة
فاتن الحاج
«سارة الصبية الواقفة في قلب الوعد تمتلك حكاية كبيرة سنقرأها يوماً في إحدى رواياتها»، هذا ما اكتشفه رئيس اتحاد الكتّاب اللبنانيين غسان مطر بعد محاكمة لغوية خرجت منها سارة بشار الزين (21عاماً) «بريئة طاهرة بقلمها المعافى الذي لا يزال في أول الربيع». أما في ما تسميه سارة رواية وما يسميه مطر محاولة رواية ثمة نصيحة أبوية لمن «تمتلك المقدرة على حشد الشخصيات من دون أن تصل بعد إلى تثبيت هويتها في بيئتها وثقافتها كي تصل انفعالاتها ومواقفها إلى القارئ بيسر وعفوية فتنشأ علاقات تعاطف أو تناقض وألفة أو تنافر». «فالحياد قاتل بين القارئ وشخصيات الرواية»، يقول مطر داعياً سارة إلى أن تعكف على قراءة الكلاسيكيات العالمية والاهتداء بأئمة الرواية والنقد لاكتشاف سر الكتابة بحيوية إنسانية مبدعة.
وإذا كانت سارة تقف عند الحاجز الفاصل بين البدايات والنضج الثقافي الشامل، فإنّها تشير إلى أنّها تفتح صدرها لأي انتقاد، فالنصائح تقوّيها وتدفعها إلى الإبداع. لكن ما يزعج سارة هو أن تُحاكَم أعمالها استناداً إلى سنها اليافعة، فتقول بثقة: «لا أؤمن بالأعمار، فابن الخمسين بنظري طفل حتى يبرهن علمه وحكمته وابن الخمس سنوات بنظري رجل حتى يبرهن جهله».
تعترف سارة بأنّها لم تكن تميل إلى القراءة «إلّا إذا حطولي الكتاب بحضني». ثم تبرر لنفسها «ربما لأنني وُلدت في شحور التي أعشق رائحتها وفي كنف عائلة شعراء ومفكرين ونشأتُ على سماع القصائد والمشاركة في الجلسات الأدبية، ظننتُ أنني اكتفيت»، لكنها أدركت أنّ هذا خطأ كبير «وقد بدأتُ بتنمية هذا الجانب، فالاتكال على رؤية العالم من نسمة الهواء وحكايات المسنّين وزوايا البيوت حيث أستقي قصصي لم يعد يكفي وحده»، تقول بنضج.
تتذكر سارة كيف أنّها لم تكن تقوى على التعبير عن أحاسيسها وجهاً لوجه، فتنفعل أو تصرخ، لذا فعندما كانت تريد أن تعتذر لوالدتها عن تصرف قامت به تبعث إليها برسالة وجدانية تمتدح فيها الأم وتنهيها باعتذار «كنتُ أحتاج إلى الورق دائماً وأعترف بأنني لم أكن اجتماعية في صغري».
تكتب سارة حين تشعر بالرغبة في ذلك حتى ولو كان في الثالثة من بعد منتصف الليل. لكن الكتابة التي تشبع «جنونها» لا تلبي طموحاتها في الاستقرار «لا أشعر بأن الكتابة في لبنان مصدر للارتزاق، واسم الكاتب لا يلمع كما في السابق».
ترفض الكلام على أنّ الجمع بين مسارين متباعدين أمر غريب، «فتاريخنا العربي حافل بالعلماء الذين كانوا فنّانين ورسّامين وشعراء». وقد اختارت الفتاة بشغف دراسة علوم الحياة (البيولوجيا) لكونها «مادة تفاعلية تجعلنا نتعايش مع المرض».
أنجزت سارة السنة الثالثة وتستعد لاستكمال الدراسات العليا في علم المناعة. وهي تتابع آخر الاكتشافات في هذا المجال عبر المجلات العلمية تحديداً. تشرح الترابط بين المجالين: «علوم الحياة مادة علمية منطقية والكتاب عبارة عن تسلسل أحداث بانسيابية ومنطق وهناك قواعد لبناء الرواية والتحليل النفسي والمعنوي للشخصيات وخلفياتهم وأبعادهم».
في رصيد سارة خمسة أعمال أدبية منشورة: «شعاع في اليوم الحالك» في 2001، «على شاطئ الخلود» في 2004، «جرح على عمق الزمن» في 2005، «إسلامي على أيدٍِ مسيحية» في 2006، و«ليتها تموت» في 2008.
«جنّيت وكتبت ليتها تموت»، لا تخفي سارة تماهيها مع نجوى بطلة روايتها التي تجسّد جنون المرأة وحبها للتملك والصراع، وتقول: «لا أستطيع أن أكتب عن شيء بعيد عني، فشخصيتي موجودة حتماً في إحدى الشخصيات أو فيها جميعاً، وإذا لم أعكس شخصيتي أجسد الشخصية التي أتمنى أن أكونها أو التي أرفضها في نفسي». انفعالات سارة تظهر في الرواية بوضوح من خلال ازدحام علامات الاستفهام والتعجب في مكانها وفي غير مكانها.
وكانت سارة قد وقّعت كتابها الأخير في احتفال نظمه اللقاء الثقافي في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، وبرعاية الشاعر غسان مطر، في قصر الأونيسكو.