فايز فارسيبدو أن الشرق الأوسط الكبير، من أفغانستان إلى لبنان ومن تركيا إلى اليمن والسودان، يسبح في بحر من التهدئة وبعض من أمان. الإدارة الأميركية غارقة حتى أذنيها في إتمام معاهدة تسمح لها بالخروج بشكل «لائق ومشرّف» من العراق الممزّق، وبموازاة عملية ضبط للأوضاع في الساحتين اللبنانية والفلسطينية بعدما أخفقت في إشعال حروب أهلية هنا وطائفية هناك وفشلت محاولاتها في نشر مفهومها الخاص للديموقراطية.
وفي الأخبار أن المملكة العربية السعودية تمكّنت من توقيف أو إلقاء القبض على خمسمئة وعشرين «إرهابياً». بينما المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل تجري على إيقاع خطوات قدم الرئيس بشّار الأسد وساق المغيّب الممدّد في سريره أرييل شارون صاحب المعادلة الصهيونية الشهيرة «الأردن هو الوطن البديل للاجئين الفلسطينيين» إذا فشلت كل محاولات توطينهم في لبنان وسوريا وغيرهما من الدول العربية المضيافة،
ليس بسبب كرم أخلاق ورثوها عن أجدادهم بل طمعاً بأموال لا أحد يعرف لمن ستعطى وكيف ستعطى. نعرف فقط أن أثرياء العرب هم الذين سيسددون تلك الأموال الطائلة.
وعلى عادتهم السيئة نسجّل للحكام العرب مرة أخرى جلوسهم الهادئ ووقوفهم المترقب في قاعات وممرات الانتظار. انتظار نهاية ولاية رئيس أميركي فاشل وانتخاب رئيس جديد متسائلين: هل سيأتي الرئيس الجديد بما لم يستطعه الأوائل؟ فالشعوب العربية مثل حكّامها تربّت على مقولة «الصبر مفتاح الفرج»، صبر البدوي الذي انتقم من عدوه بعد أربعين سنة قائلاً: لقد بكّرت. فهل علينا الانتظار ثلاثة أضعاف تلك المدة التي قاربناها، حتى ننتقم من عدو الله والإنسانية ونحقق ذلك السلام العادل والشامل؟ ولماذا لا نأخذ العبر والأمثولات من جمهورية إيرانيّة إسلاميّة حرّة وجمهورية تركيّة علمانيّة محترمة؟
ومن فضاء هذا الأوسط المعقّد بسبب مشروع صهيوني يتطلب أكثر من أي وقت مضى الكثير من التقديمات بهدف إنقاذه، ومستنقع عراقي صنعته أميركا بيديها ويكاد يطيح كل التوازنات الإقليمية والدولية، ننتقل إلى أعماق متوسط استحقّ في الماضي البعيد لقب «بحر السلام»، حيث شماله يحاكي جنوبه وغربه يغازل شرقه. فقد أدرك الأوروبيون اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن «اتّحادهم» لن يكون كاملاً وناجزاً من دون تحقيق السلام والوئام مع جيرانهم شعوب «بحرهم الجنوبي» وما يملكون من ثروات طبيعية وحضارات عريقة وطاقات بشريّة وتطلعات شرعية لم يعد يجوز تجاهلها أو رفضها.
سنكتفي بتسمية سبع دول أوروبيّة فقط، هي اليونان وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وألمانيا وبريطانيا. إنّ اقتصاد هذه الدول مرتبط إلى حد كبير ومن نواحٍ عديدة باقتصاديات دول عربية مستقرّة منذ مئات السنين جنوب وشرق هذا المتوسط، كما أن أمن هذه الدول الأوروبيّة واستقرارها ارتبط، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانهيار النظام الكولونيالي القديم، وبشكل متدرّج بأمن واستقرار دول الجنوب العربية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
كذلك صار بإمكان تلك الدول الأوروبية، وخاصة تلك الدول التي كان لها «الفضل» بإنشاء ومساندة دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية خلال المئة سنة الماضية، أن تبادر إلى تصحيح «خطئها التاريخي» بانكبابها على إتمام «مصالحة تاريخية» بين يهود إسرائيل الصهيونية وعرب فلسطين، مسيحيّين ومسلمين.
فالأجيال الأوروبية الحالية والمقبلة لم ولن تعود تتقبّل لغة الابتزاز التي مارسها قادة الصهيونية العالمية مع أجدادهم وآبائهم. فهل ينجح القادة الأوروبيون حيث أخفق قادة الولايات المتحدة منذ عقود، ويعم السلام الشامل فضاء وأعماق هذا الأبيض المتوسط؟