نضال حمدتعود مع عميد الأسرى العرب سمير القنطار، عميدة الشهيدات الفلسطينيات، الشهيدة دلال المغربي ومعها أبطال عملية الساحل، وكذلك بطلا عملية نهاريا من رفاق سمير القنطار، الشهيدان عبد المجيد أصلان ومهنا المؤيد برفقة عشرات الشهداء من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب الذين قضوا على درب تحرير فلسطين كل فلسطين. بعد عشرات السنين في الأسر بعد الشهادة، وفي مقابر الأرقام التي يعتبرها العدو سجوناً للشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وأرواحهم لأجل محاربته ومن أجل حرية فلسطين وعودة شعبها الى الأرض الفلسطينية المحتلة. ليست هذه العودة بالخبر العادي بل إنها خبر مميز وفوق العادة: عودة تجمع الأحياء بالشهداء والشهداء بالأحياء وتعيد الأسرى بكل بهاء إلى بيوتهم وعائلاتهم رافعين رؤوسهم، منتصبي القامة. وكباراً كما كانوا وكما ظلوا وكما هي قضيتهم العادلة.
تحيي المقاومة في لبنان ذكرى هؤلاء وهي تعيدهم إلى مخيماتهم وبلداتهم ومدنهم وقراهم ومقابر أهاليهم محررين، معززين ومكرمين. إذ لا بدّ أن تكون مراسم تشييعهم عظيمة كما هم عظماء وكبار في زمن سقطت فيه الرؤوس الرسمية الكبيرة في الدول والممالك وأشباه الدول. وسوف نشاهد قريباً جموع أبناء الأمة العربية وهم يهبّون لتشييع الشهداء تشييعاً يليق بهم، يليق بالمقاومة التي أنجبتهم وبالمقاومة التي حرّرتهم.
هؤلاء الشهداء ينتمون إلى منظمات وأحزاب وفصائل فلسطينية مختلفة وعديدة، فهناك شهداء لجميع الفصائل الفلسطينية التي كانت موجودة وتعمل في الساحة اللبنانية منذ ما قبل اجتياح سنة 1978 وحتى يومنا هذا. إنهم شهداء العمليات الاستشهادية التي كانت تسمى انتحارية، وهم روّاد تلك المدرسة الفدائية المقاومة التي ابتدعت فكرة العمليات المميزة.
ومن هؤلاء الشهداء القائدة المميزة، الشابة المثقفة والمناضلة، الشهيدة دلال المغربي، ابنة المخيمات الفلسطينية الصابرة الصامدة في لبنان. وابنة حركة فتح الينابيع، فتح أبو جهاد الوزير ومدرسة القطاع الغربي التي أنجبت شهداء ومناضلين وأسرى وقادة وكوادر قضوا من أجل استمرارية الثورة، وصيانة نهج الكفاح المسلح ومنع التفريط بالبندقية الفلسطينية المقاومة. لم يذهب هؤلاء للشهادة على أرض فلسطين من أجل روّاد الفنادق والمنتجعات السياحية في أوسلو وشرم الشيخ وايلات والعقبة وباريس وروما واثينا وكمب ديفيد وتل ابيب... بل ذهبوا ليخطّوا بدمائهم الزكية الطاهرة اسم فلسطين على أرض فلسطين. فسالت دماؤهم حمراء متوهجة، لتمتزج بتربة البلدات الفلسطينية المحتلة. هكذا فعلت دلال المغربي ومعها رفاقها الشهداء الذين اقتحموا ساحل فلسطين واختطفوا شاحنة ركاب، واتجهوا بها نحو قلب الوطن المحتل، مما أجبر قادة الكيان الصهيوني على قصف الشاحنة بمن فيها بالطائرات، لتدور بعد ذلك معركة كبيرة استشهد على أثرها من أفراد المجموعة الفدائية تسعة بمن فيهم دلال المغربي، فيما فقد المناضل العربي اللبناني يحيى سكاف، وأسر اثنان تم تحريرهم في عملية تبادل سابقة.
ومن بين الشهداء الذين سيعودون هناك ابن مخيم عين الحلوة محمد راجي الذي استشهد مع دلال المغربي. وهناك ابن عم الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي استشهد في عملية المنارة التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1979. وقد يكون من بينهم أيضاً الشهيدان علي سليم أيوب ومحمد علي اليوسف بطلا عملية المنارة سنة 1973.
هؤلاء الأبطال ينتظرهم أهالي مخيمهم مع أبناء آخرين من المخيم ليجري تشييعهم في عين الحلوة المحاصر بجدار عازل وأسلاك شائكة وعسكر وحواجز. عين الحلوة الذي جعلته الأحداث بؤرة توتر دائمة.
ولعل عودة شهداء المخيم من أسرهم في مقابر الأرقام الصيهوينة تكون بادرة لعودة الحياة الطبيعية في المخيم وعودة لغة الحوار لصفوف الفصائل والمجموعات الموجودة هناك. وللذين يحاصرون المخيم بشكل يستفز كل إنسان ينتمي إلى عروبة لبنان وإلى هذه الأمة.
مع الشهداء يعود رفاق سمير القنطار وطلعت يعقوب، أبطال عمليات نهاريا والمطلة والمنارة وجبل الشيخ والمنارة الثانية وزرعيت. نحو 20 شهيداً من جبهة التحرير الفلسطينية عرفت بعضهم شخصياً، حيث جمعتنا سقوف منازل واحدة، وأكلنا وشربنا معاً، وتحدثنا عن الهموم نفسها.
جمعتنا فلسطين وقضايانا العربية الواحدة. ففي تلك الأيام وعلى درب تحرير فلسطين وعودة شعبها إلى الديار المحتلة عرفت أنهم خير من أنجبت هذه الأمة. أما الآن، فهم خير من كل قادة هذه الأمة.
أتمنى من كل قلبي أن يكون رفاق المسيرة الصعبة والثورة المستمرة في جبهة التحرير الفلسطينية وبالرغم من ظروفهم المادية المعقدة والصعبة، على جاهزية عالية وتامة من أجل استقبال القائد العائد سمير القنطار ورفاقه الشهداء. وأرى أن من واجب الفصائل المقاومة التي تملك المقدرة المادية مثل فتح حماس والجهاد الإسلامي مد يد العون إلى إخوتهم في جبهة التحرير الفلسطينية كي يتمكنوا من القيام بواجبهم على أفضل وجه. فهناك دماء وعظام ورفات الشهداء التي هي فوق كل التحالفات والحسابات. كما هناك حرية سمير القنطار عضو القيادة المركزية للجبهة، القائد الذي صنع مجده بنضالاته عبر 30 سنة من الأسر والصمود والتألق والابداع والتمسك بروح ونهج ودرب المقاومة.
حرية هؤلاء تجمع كل صاحب حق وصوت يصدح بالثورة. فهم ليسوا ملكاً خاصاً لفصيل معين وإن كانوا منه، إنهم ملك الشعب والأمة والمقاومة التي تقود هذه الأمة. فالوفاء لهم يكون وفاءً للمقاومة ولنهج الثورة المستمرة، المقاتلة ضد الاحتلال والفساد والاستسلام.