Strong>راجانا حميةلا فرق بين حسن وجورج، فثمّة أشياء كثيرة تصرّ على جمعهما معاً. قد يكون أبسطها أنّهما وُلدا معاً على حافّة شاطئ، أصبح في ما بعد مكان الإقامة الدائمة والعمل والصداقة، وترعرعا في قرية لم يفارقا فقرها يوماً. لكن، كلّ هذه الحياة المشتركة قد «تُطمس» في بعض زوايا البلد لحظة يتمّ التعامل مع هذين الشابين على أنّهما «المسلم» و«المسيحي»، اللذين لن يلتقيا بسبب اسم أو مذهب مسجّل في بطاقة هويّة.
ليس حسن وجورج وحيدين في مواجهة مذهب أو اسم يفرّقهما، فلبنان كلّه يعيش تلك الحياة التي اعتادت التفرقة ولم يعد قادراً في لحظة غضب بدأت ذات يوم من عام 2005، على ضبط هذا الواقع. واقع قد يحكم على صداقة بالإعدام، لأنّ حكم الطائفة هو الأقوى، أو غيرها من الأحكام الاجتماعية... إلى أن يصل بعضنا في مواقف كثيرة إلى الإيمان بنفسه من دون الآخرين. ولكن أمام هذا الواقع، ثمّة من يبحث عن نفسه والآخر، عن «أنت وأنا» في مشهد تمثيلي قد يتحولّ في لحظة صحو إلى حياة جديدة، ليس فيها 18 طائفة، ولا رجل ولا امرأة ولا معوّق ولا طبقيّة. حياة فيها فقط «لبنان»... و«أنت وأنا» عنوان مشروع «سينما آرينا» الذي يجوب لبنان حالياً.
وُلدت فكرة المشروع عقب العدوان الإسرائيلي عام 2006، بالتزامن مع انتشار قوّات اليونيفيل. ويهدف إلى نشر ثقافة الاختلاف الإيجابي بعيداً عن الخلاف، استناداً إلى قيم كلّ منطقة وعاداتها وتقاليدها. وساهمت أطراف عدة بتسهيل ولادة المشروع، من السفارة الإيطاليّة، مروراً بمكتب التعاون الإيطالي وبرنامج الطوارئ «روس» ووزارتي الشؤون الاجتماعية والثقافة، وصولاً إلى جمعيّتي «كفى عنف واستغلال» و«على بعد أمتار» وتستخدم «آرينا» شاشة عملاقة تجوب بها المناطق الثلاثين التي اختارتها في ترحالها، الذي يستمرّ أربعة أشهر متواصلة، بدأت في السادس من حزيران الفائت. وقد اجتازت إلى اليوم 12 مدينة، كان لكلّ منها خاصيّة عمل المنظّمون على إبرازها من خلال فيلم قصير كذاك الذي شهد في مدينة صور، أولى علاقات الصداقة بين حسن وجورج... و«الفلوكة».
وترافق الفيلم مع جملة نشاطات، منها ما قامت به «على بعد أمتار» من خلال فيلمها «ألوان»، حيث أجرت الكاميرا اختباراً للألوان ومعانيها في أزقّة العاصمة بيروت، وخرجت بتعريف آخر للألوان: الأصفر هنا هو لون «الحامض» لا «حزب الله»، والأحمر قد يكون «الفريز» أو «التفّاح» ولكن من المؤكّد أنّه ليس «الاشتراكي»، والأخضر ربّما «كيوي» لا «مردة». وعلى خطى «على بعد أمتار»، تعمد «كفى عنف واستغلال» إلى التوعية من أخطار العنف ضد المرأة والطفل، من خلال فيلمها «ناجيات» وحملة «المساطر للخطّ مش للخبط».
«آرينا» التي تعتمد في صناعة أفلامها على تقاليد كلّ منطقة وثقافتها، تنحو من الجهة المقابلة إلى عرض بعض الأفلام المنتقاة من السينما العالميّة، تُختار بناءً للتطابق بين بعض تلك البيئات والبيئة اللبنانيّة. ومن جهة ثانية، يتخلّل المشروع تنظيم معرض في كلّ قرية من القرى المستهدفة، تُعرض خلاله مأكولات قرويّة وأشغال حرفيّة، إضافة إلى الفقرات الترفيهيّة والثقافيّة التي يؤدّيها أطفال المنطقة.


خارطة الباص في المناطق اللبنانيّة

تنهي اليوم «سينما آرينا» جولتها في مدينة بعلبك، على أن تعاود استكمالها الخميس المقبل في صيدا. رحلة آرينا، الهادفة إلى نشر الثقافة السينمائية من خلال عروض أفلام منوّعة، بدأت في 6 حزيران الفائت، على أن تنتهي في 20 أيلول المقبل. وبعد أن جالت في مرجعيون وقانا وصور وعيترون والنبطيّة وحلا وطرابلس والبداوي وبنت جبيل وتبنين ودير الأحمر، لا يزال أمامها 29 محطّة. وتشير الخريطة إلى أن باص آرينا سيتحرّك بعد صيدا إلى مناطق الهرمل ويارين وعين إبل وجب جنين ومشغرة وعمّاطور وفيدار وبرج الشمالي وصريفا وبازبينا وزحلة وصاليما وقرطبا وشدرا وسبعل وحاصبيّا.