رفيق بندقية المقاتلين الذين ظهروا في شوارع البلاد خلال الشهرين الماضيين. ولأن استخدامه مجاني ولا يتأثر بضغط الاتصالات، يستعمله راصدو «الأعداء» والمتلصّصون على خصوصيات المواطنين. إنه الجهاز اللاسلكي
البقاع ــ فيصل طعمة

كاسترو والأفطح، أبو الليل وأبو الجماجم، صفر واحد والغزال... ألقاب وأسماء «حركيّة» ضاق الأثير بها، وبغيرها، لكثرة ما ردّدها مستخدمو الأجهزة اللاسلكية خلال اشتباكات أيار وما تلاها.
وقد كان لهذه الأجهزة اللاسلكية دور كبير في هذه المعارك، وأحياناً في تأجيج الصراع. وقال أحد المسلّحين الذين شاركوا في حوادث تعلبايا وسعدنايل لـ«الأخبار»: «إن الجهاز في يد المقاتل هو بنفس أهمية البندقية الموجودة في اليد الأخرى». ويضيف: «إن الأجهزة اللاسلكية مكّنتنا من رصد الطرقات وتنظيم وتنسيق تحركاتنا بشكل سريع وآمن، إلى جانب ضمان الإمدادات ونقل الذخائر. فـ«الكشافة» كانوا يطلعوننا على الطرقات الآمنة التي يمكن أن نتحرك فيها من دون الاصطدام بالقوى الأمنية أو المسلحين.
أما على المستوى الميداني، فعبر هذه الأجهزة كنّا نعلم مصادر إطلاق النيران ليصار إلى الردّ عليها. وفي بعض الأحيان، كنا نعلم مسبقاً المنزل الذي قد يُستَهدَف لأن الطرف الآخر يستخدم الأجهزة نفسها، فنعمل على إخلائه فوراً حفاظاً على سلامة أهله».
وأما موجات القوى الأمنية الرسمية، فقد أكّد المسلح أن فريقه «لم يكن بحاجة إلى التنصّت عليها، فشبابنا منتشرون في كل الأماكن يرصدون أي تحرك للمسلحين أو لغيرهم».
مشاركة الأجهزة اللاسلكية في المعارك لم تقتصر على العمليات العسكرية. بل كان لها، أحياناً، دور في «صنع» الاشتباكات. ففي بلدتي سعدنايل وتعلبايا، كان مناصرو كل من الموالاة والمعارضة يدخلون على موجات الخصوم، ليخوضوا حروباً كلامية تؤدي أحياناً إلى اندلاع اشتباكات، أو تجددها بعد هدنة. الحرب تبدأ بالشتائم العامة، يقول أحد مستخدمي اللاسلكي. ثم تنتقل إلى توجيه السباب للشخصيات السياسية والدينية اللبنانية والعربية، لتنتهي بالتعرض لرموز دينية تاريخية، قبل أن تصبح المعركة الكلامية شخصية جداً، حين تطال شقيقات وأمهات المتعاركين، «فالكل يعرف الكل»، وأكثر المتحاربين جيران وأبناء حي واحد.
600 جهاز في شهرين
تعمل هذه الأجهزة على الترددات المنخفضة، ويمكن لمداها أن يغطي منطقة البقاع كاملة في حال اقترانها بجهاز البث الكبير الذي يعرفه مستخدمو اللاسلكي باسم «مركزية». وبسبب أهمية دورها خلال العمل العسكري، وعدم تأثرها بضغط الاتصالات كما هي حال الهواتف الخلوية، فضلاً عن مجانية استخدامها، ازدهرت تجارتها خلال الأيام الماضية. وقال أحد تجار الجملة إن أكثر من 700 جهاز لاسلكي بيعت في منطقة البقاع الأوسط وحدها خلال شهري أيار وحزيران الماضيين، بسعر إفرادي يتراوح بين 70 و300 دولار أميركي.
التاجر ذاته قال لـ«الأخبار»: تجارتنا لهذه الأجهزة قانونية ولدينا ترخيص بذلك، لكن يساء استخدام هذه الأجهزة عبر بيعها للأفراد وعدم تنظيم العمل بها. فهي تتمتع بقدرات مميزة، حيث يمكنها تغطية مساحات كبيرة، إلى جانب التشويش على باقي الأجهزة والتنصت على الموجات الأخرى. وقد عدّد التاجر أكثر الماركات رواجاً، وهي: ICOM ــ YAAOZO ــ MOTOROLLA ــ DRAGON ــ VARTEX ــ KENWOOD. وأضاف: «تحسنت مبيعاتنا بشكل كبير جداً في الشهرين المنصرمين، حيث تخطت خلالهما الكمية المباعة تلك التي نبيعها خلال سنة كاملة». وتابع ان تركز المبيعات كان في المناطق التي شهدت نزاعات كطرابلس والبقاع الأوسط وعاليه. فقد بعنا أكثر من 300 جهاز في سعدنايل وتعلبايا وحدها، و100 في عاليه، و600 في طرابلس».
وأكّد التاجر أن مشتري الأجهزة اللاسلكية ليسوا أطرافاً سياسية، بل أفراد. وكان عدد كبير من هؤلاء الأفراد يستخدمون الأجهزة للتعبير عما يدور في خلدهم، مما يتورعون عن قوله عادة على الملأ، فضلاً عن البوح بخصوصيات مواطنين كثر. وتُظهِر الأحاديث اللاسلكية لمن يستمع إليها جانباً من عمق الصراع المذهبي والمناطقي والسياسي بين اللبنانيين والذي لا يزال مجهولاً ما إذا كان سيزول، أو الوقت الذي سيحتاجه التخفيف من وطأته. لكن المؤكد أن حدّة الصراع لن تخفّ قريباً إذا بقي بين اللبنانيين عدد كبير ممن يقتنعون بأن حمايتهم من أبناء وطنهم لا يؤمّنها إلا وجود بندقية في يد، وجهاز لاسلكي في اليد الأخرى.


الترخيص للمؤسسات فقط

يمنع القانون حمل جهاز لاسلكي من دون ترخيص تمنحه المديرية العامة للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات. وتُمنَح هذه التراخيص عادةً للمؤسسات وشركات الأمن الخاصة، وسيارات الشحن، وشركات سيارات الأجرة والنقل العام، والمؤسسات التي تحتاج في صلب عملها إلى التواصل الدائم مع موظفيها. ولا يُسمَح لحامل الترخيص سوى بالعمل على موجة تحدّدها وزارة الاتصالات. ويبلغ بدل الترخيص السنوي 135 ألف ليرة لبنانية. إلا أنه لا تُمارَس أيّ رقابة على المحالّ التجارية التي تبيع الأجهزة اللاسلكية، وبالتالي، يستطيع أي مواطن شراء جهاز من دون أن يُطلَبَ منه أي وثيقة ثبوتية أو نسخة عن الترخيص.