سوزان هاشم شيء ما تغيّر في عيترون، أسلوب حياة عائلات كثيرة تبدّل، والسر يكمن في دار حضانة للأطفال افتتحت قبل نحو عام. يمسك الأطفال بأيدي أمهاتهم، يلحّون على المضي بسرعة إلى دار الحضانة حيث الأصدقاء والنشاطات المتنوعة. والأمهات بدورهن تفرّغن لأعمالهن ووظائفهن، مطمئنات إلى أن الصغار بين أيدٍ أمينة تعرف أسرار التربية العلمية. قبل نحو عامين ونصف العام، التقى الأهالي على ضرورة إنشاء دار حضانة للصغار. قدّم المجلس البلدي عقاراً لبناء الدار، وتم بناء دار الحضانة وتجهيزها والإشراف عليها بالتنسيق مع صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التابع لوزارة الأشغال العامة، والتمويل من الاتحاد الأوروبي.
انتهت أعمال البناء قبل حرب تموز، ولم تسلم دار الحضانة من القنابل الإسرائيلية، فدُمّرت بالكامل ليُعاد بناؤها على نفقة وزارة الدفاع الإسبانية، وجرى توفير التجهيزات على عاتق البلدية. افتتحت هذه الدار أبوابها أمام الأطفال في الخريف المنصرم، لتعمل تحت إشراف مركز الخدمات الإنمائية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية. الحضانة بالنسبة إلى الصغار عالم يتقاسمون فيه الألعاب وأقلام التلوين، والأهم بالنسبة إليهم أن هذه الدار جمعت صغاراً تتباعد بيوتهم ولا يلتقون خارج الحضانة.
اللقاء حول فنجان القهوة بين الأمهات تغيّرت «هويته»، المواضيع المطروحة للنقاش صارت تركّز على النشاطات التي يتابعها الأولاد، وصارت النسوة يشاركن في لقاءات التوعية التي تنظمها الحضانة عن مواضيع تربوية، وصحية، ولا سيما صحة الإنجاب، ما يعزز التواصل بينهن، ويرشدهن إلى التربية العصرية في التعامل مع أطفالهن. رغم أن دار الحضانة في عيترون حديثة نسبياً، إلاّ أنه تبيّن أنها حاجة ملحّة. فنسبة مرتفعة من أبناء القرية ــــ نساءً ورجالاً ــــ تعمل في وظائف متنوعة أو كمزارعين في الحقول. وفاء حمد، فلاحة تمضي ساعات طويلة في الحقول، تلفت إلى أنها لم تعد تشعر بالقلق على طفلتها فاطمة، فالصغيرة في أيد أمينة وأضحت تتلقى الآن الرعاية اللازمة في دار الحضانة الجديدة في البلدة، بعد أن كانت تمكث عند جدتها المسنّة التي لا تقوى جيداً على الاعتناء بها».
تستقبل دار الحضانة الطفل مقابل مبلغ شبه مجاني (40 ألف ليرة سنوياً)، وفيها حالياً نحو 43 طفلاً تتراوح أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات، ومن المتوقع أن تستقبل قريباً حديثي الولادة. وتلفت مديرتها ندى بزي إلى أن بعض الأمهات كنّ يتركن أولادهن عند الأقارب، أو كنّ يتوجهن يومياً إلى البلدات المجاورة لعيترون لإيداع الأطفال في إحدى دور الحضانة.
تشدد بزي على أن الحضانة «تُعدّ الطفل للانخراط والتكيّف في المجتمع بعيداً عن عالم العائلة والمنزل، وهي عتبة لتأهيل الطفل وتنميته فكرياً قبل دخوله المدرسة، وعبر أسلوب تربوي متطور تقوم الحاضنات بتربيته خلقياً، وتعلّمه كيفية استخدام القلم وتهجئة الأحرف والمشاركة في الأنشطة الرياضية والترفيهية مع أترابه».
أهالي الأطفال الذين يستفيدون من دار الحضانة يرددون ملاحظات متشابهة. فهي بالنسبة إليهم «تعدّ الطفل ذهنياً قبل دخوله المدرسة»، فيتعلم الصغار تهجئة الأحرف، وتمييز الألوان، وقد تخلّى بعضهم عن الخجل، وطوّروا قدراتهم على التفاعل مع الآخرين. من جهة أخرى، مثّلت دار الحضانة مكاناً متميّزاً في حياة أطفال فقدوا أمهاتهم أو آبائهم خلال حرب تموز، وبرهن العاملون في الدار عن قدرة على الاهتمام بالأولاد وفهم مشاكلهم ومساعدتهم على تخطّي جزء منها.