فداء عيتانيكلّ خطوة إلى الأمام تقابلها خطوات إلى الوراء. ها هو النقاش يبدأ مجدّداً بشأن سلاح المقاومة من منطلق الدولة، أي النظام الذي نحتكم إليه في العلاقات الداخلية، والذي يفترض أن يدير الشؤون العامة. إلا أن هذا النظام لا يؤدّي في لبنان حدّاً أدنى من أدواره المرسومة له. هو نظام هجين يجمع ما بين الضرورات الغربية التي فرضت نظاماً أكثر تطوّراً من أنظمة الحكم الفردية، وبين مترسّباتنا المحلية، فحصلنا على أنظمة لا تنهض إلا لتقع وتوقع معها شعوبها في تناحرات لا تنتهي.
كل خطوة إلى الأمام تقابلها خطوات إلى الوراء. وحين يبدأ النقاش عن الدولة، تخرج أشد القوى طائفية وإغراقاً في النهب والسلب والتعامل مع النظام العام بصفته مجرد شكليات، تخرج لتلعب الدور الأول في الدفاع عن فكرة الدولة، بينما يلهث خلفها المثقفون تحت شعار الحداثة، ناسين أن المشكلة الأساس تكمن في توليفة الحكم المحلية، وفي أزمات تبدأ في فلسطين ولن تنتهي عند حدود إيران مع العراق.
ما بقي من قوى اليسار، وخصوصاً من مفكّريه، أُسقطوا بغزو فكري أين منه غزوة بيروت في 7 أيّار. بات الفكر يحمل بصمات اليمين واليمين الفاشي، في حين يطالب بإعطاء المواطنين حقوقهم في الحياة الطبيعية. وبات المثقّفون اليساريون يطالبون برفع مستوى الوعي العام في القضايا العامّة كمدخل لإصلاح هو في الواقع أشبه بسراب، متجاهلين أوليات السياسة والتاريخ، فالمصالح العامة هي شأن هامشي بالنسبة لهؤلاء قياساً إلى الوعي.
يمكن لمثقفي اليسار التائبين ولمنظّري اليمين الجُدد اجتزاء الحداثة، فيجري تطبيق مفرداتها على حزب الله وسلاح المقاومة، وتقف عند حدود بكركي وقريطم ودار الفتوى ووليد بيك، وغيرهم من ممثلي الطوائف المتحالفة. وباسم الواقعية، يمكن الدفاع عن الطوائف التي تسعى إلى بناء الدولة، والانقضاض على تلك التي تحمل السلاح للدفاع عن الشعب، وتصبح الدعاية السياسية للطوائف مدخلاً لمديح الظلّ السافل لحكومة لا يمكن الركون إلى شخصيّاتها.
يحار المثقّفون اليساريون التائبون كيف يتلون فعل الندامة... للدخول إلى جنّات الطوائف.