فيكتوريوس أبو رجفةالمعركة الثقافية التي تخوضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، والتي تتمظهر في إشارات مهمة كربط المقاومة بالإرهاب وإشاعة أسئلة كانت في ما مضى تبعث على السخرية في أحسن الأحوال، كسؤال يأتيك في استطلاع للرأي: هل أنت مع الاحتلال أم لا؟... تترك انعكاساتها في كل مناحي الحياة. أكان في السياسة أم الاجتماع والاقتصاد، من أبرز ملامحها أن أي انتصار أو خسارة للمشروع المقاوم أو المضاد له محلياً كما حدث في لبنان أخيراً، هو انتصار أو خسارة جزئية في ظل المشروع الأميركي الأكبر. مشروع بات يظهر بوضوح في وقتنا الراهن، حيث باتت بؤر المقاومة تنحسر تدريجياً، وهي في طريقها إلى خمول طويل، إذا لم نقل إنها الآن تعاني حالة موت سريري. ومع الأسف، نسمع يومياً من يبشرنا من جهابذة اليسار عبر إطلالاته الإعلامية التي تملأ الشاشات، بأن المشروع الأميركي أصبح الآن مهزوماً في العراق وغزة ولبنان، لا بل تصل الخسائر إلى أبعد من ذلك، إلى فنزويلا ومجمل أميركا اللاتينية، وربما في الولايات المتحدة نفسها.
لكن هؤلاء لا يفسرون كيف أن أميركا باتت اليوم تطوق الاتحاد الروسي من كل الاتجاهات، وتدخل معه مرحلة جديدة من المواجهات الشرسة التي حققت فيها مكاسب ليست خافية على أحد. ولا يفسّرون ما الذي يحدث في أعماق أفريقيا، وما هو دور الشيطان الأكبر في كل تلك الصراعات والحروب هناك. هل كل هذا يحصل في ظل انحسار المشروع الأميركي؟
ثم بعد كل ذلك يأتي هذا «اليساري» ليقول، صباح الإعلان من تركيا عن المفاوضات السورية ـــ الإسرائيلية، إنّ الطبقة السياسية في لبنان أعادت إنتاج نفسها وأزمتها، ثم يشن هجومه على قانون الانتخاب الذي لا يراعي التمثيل النسبي، وكل هذا طبعاً من دون أن يحرّك ساكناً سوى التصريح عند كل أزمة. والأزمة هي فرصته الدائمة لتعريف الناس بنفسه ومواقفه، وهو لم يدرك بعد أنه لم يأتِ بجديد، وأن الناس ملّت التكرار بعد أن حفظته عن ظهر قلب. عندما تكلم مهدي عامل في الماضي، كان اليسار طرفاً فاعلاً في المعادلة، فهل يجري اجتراره الآن؟
لقد مات مهدي عامل، وقد أصبح الوقت والظرف مؤاتيين لولادة آخر.