راجانا حميةوقفت أم إبراهيم زين الدين أمس، أمام مقرّ اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، كعادتها مع صورة الابن المفقود منذ 26 عاماً وملفّ المعلومات الضئيلة التي تمكّنت من الحصول عليها من الجهات المعنيّة. حالها كحال الكثيرين الذين حضروا لإحياء ذكرى يوم الأسير اللبناني، ولكن ما يميّز تلك المرأة كبر سنّها وألمها الذي تخاف من البوح به، فكانت «الصامتة» الوحيدة بين الكثيرات اللواتي حرصن على نبش قصصهنّ، وكأنّها تحتاج إلى الاحتفاظ بابنها لنفسها «بعدما لم تنفع الجولات في معرفة مكانه».
اكتفت أم إبراهيم بصمتها، تاركة ساحتها لقصصٍ أخرى تكفّلت نساء وأمّهات وأخوات المفقودين والمعتقلين في السجون الإسرائيليّة سردها بتفاصيلها المملّة، فكانت رباب شحرور الأولى التي بدأت قصّة الشقيقين محمّد وأحمد اللذين خطفا ذات يوم من عام 1982، ولم يعودا، تاركَين في صحبة الشقيقة الشابّة ثلاثة أطفال. تحفظ رباب القصّة كاملة، فهي ليست طويلة، ويمكن اختزالها برسالة يتيمة تفيد أنّ الشقيقين اختطفتهما إسرائيل، ودستة أوراق توثّق بعض المعلومات الشخصيّة وتحقيقات الصليب الأحمر الدولي.
تشترك في هذه المعلومات الضئيلة الكثيرات من المعتصمات، فلا واحدة منهنّ تعرف عن هؤلاء المعتقلين شيئاً موثّقاً، باستثناء شهادات بعض المحرّرين. ولكن رغم كلّ هذا الغموض الذي يكتنف مصير هؤلاء، يبقى الأمل بصفقة التبادل المتوقّعة غداً. فعند هذا التاريخ قد يحسم بعض هؤلاء المعتصمين خيارهم، فإمّا استكمال المسير مع لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، التي أعلنت أمس أنّها مستمرّة في اعتصامها إلى حين كشف مصير الـ11 ألف أسير في جميع السجون، وأسرى الرأي في سجون العالم العربي، وإمّا الانشغال ببناء قبور تليق بسنوات الغياب.
حيرة الأهالي بين الخلاص أو تجديد الاعتصام، يقابلها قلق من المصير الذي ينتظر المحرّرين غداً. فقد اعتادت اللجنة، خلال عمليات التبادل التي فاقت الـ25 أن تنسى الدولة أنّ «هناك ما يسمى محرّرين وأسرى». وفي هذا الإطار، يلفت رئيس اللجنة محمّد صفا إلى «أنّ الدولة لم تنصف يوماً الأسرى المحرّرين بحجّة الموازنة»، آملاً أن لا تكون هذه المرّة كسابقاتها. وطالب الحكومة بأن «يكون الاستقبال حقيقيّاً، وأن تبادر الحكومة إلى اعتبار العائدين أبطال تحرير وجنوداً وضبّاطاً قاتلوا من أجل وحدة لبنان». وما لم يستطع صفا ذكره من تفاصيل، تكفّل شقيق عميد الأسرى بسّام القنطار البوح به للمرّة الأولى، حيث ألقى باللوم على الدولة التي لم تسعف يوماً أيّ أسير، وقد يكون الدليل على ذلك سمير القنطار الذي لم تبادر الدولة إلى منحه معاشاً إلا عقب مرور 19 عاماً على اعتقاله. ولم تكتف بفعلتها تلك بل عمدت إلى قطع هذا المبلغ «الذي لا يفي القنطار حقّه» منذ كانون الثاني من عام 2007. وشدّد نائب الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينيّة أبو نضال أيّوب على أهميّة المقاومة في كسر معايير العدو.
وبعيداً عمّا لهذا اليوم من ذكرى أليمة في قلوب الكثيرين ممّن فقدوا الأحبّة، تجدر الإشارة إلى أنّه اليوم نفسه الذي عمدت فيه إسرائيل إلى بناء معتقل أنصار ذات يوم من عام 1983.