علاء اللامي *ولكي يأخذ القارئ فكرة وافية عن فداحة الخطر المحدق بالعراق وشعبه، نسوق هذه الباقة من الحقائق والمعطيات عن الوضع المأساوي الذي آل إليه الوضع الإروائي والزراعي والإنساني في العراق، بسبب حبس مياه الرافدين خلف السدود التركية العملاقة والمعدة لتحويل المياه إلى سلعة نافقة تصدّر إلى دول الخليج وإسرائيل عبر ما يسمى «أنفاق مياه السلام»، لتدر المليارات على حكام تركيا، وليدفع العراقيون الثمن باهظاً، فيُصحّر بلدهم:
يتوقع الخبراء والمتخصصون تراجع منسوب المياه في دجلة والفرات بسبب نقص في مواردهما الآتية من تركيا إلى العراق، إلى جانب انخفاض معدل الأمطار في البلاد، إلى ما دون 50 في المئة عن معدلاتها الطبيعية.
أما وزير الموارد المائية العراقي، عبد اللطيف جمال رشيد، فتوقع أن تصل نسبة العجز في مياه الأنهار المشتركة الواصلة إلى العراق من هذه الدول إلى أكثر من 33 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2015، بعد انخفاض منسوب مياه نهر دجلة عند اكتمال مشروع سد «اليسو» التركي المتوقع انتهاء العمل به عام 2010. ومن خلال مشروع الغاب، ستتأكد قدرة تركيا على التحكم بمياه نهر الفرات وتراجع الواردات المائية لسوريا والعراق جراء انخفاض منسوب هذا النهر، حيث يتوقع الخبراء تراجع حصة العراق من 29 مليار متر مكعب في العام إلى ثلاثة مليارات متر مكعب فقط عام 2010، أي بنسبة 90 في المئة».
ليس الموضوع بعيداً عن السياسة كما قد يظن البعض، فنجم عودة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار، ينظر إلى المشروع التركي على أنه «ورقة ضغط سياسية لا تمثّل مفاجأة ما دامت تركيا منذ عشرينيات القرن الماضي ترفض توقيع أي اتفاقية لتقسيم المياه». وقد نقلت وكالة الأنباء الكويتية عن بيان للحكومة العراقية أن هناك نقصاً حاداً بالموارد المائية للعام الحالي، حيث بلغت نسبة الموارد المائية لنهر دجلة وروافده 45 في المئة من المعدل العام، و69 في المئة لنهر الفرات من المعدل العام.
خبير المياه العراقي المعروف، حسن الجنابي، قال إن الأمر يزداد حراجة مع الوقت بسبب الحاجة المتزايدة إلى المياه في هذه الدول، حيث أعلنت تركيا أنها ستستخدم 21 مليار متر مكعب سنوياً من مياه دجلة والفرات، وقدرت سوريا حاجتها من الفرات بأكثر من 8 مليارات متر مكعب في السنة، فيما تستمر إيران بوتيرة عالية في إنشاء سدود حجبت وتحجب مليارات أخرى، وحيث إنّ هذه الكميات الكبيرة من المياه كانت من حصة العراق منذ الأزل، وهو ما يهدد حياة ثلث سكان العراق.
وأخيراً، فقد توقعت مصادر مائية عراقية أن يشهد العراق عجزاً مائياً بمقدار 33 مليار متر مكعب عام 2015، وفقدان 40 في المئة من أراضيه الزراعية وعودة الجفاف إلى أهواره...
كيف ردّ الحكم العراقي على هذه التحديات الخطيرة؟ حتى الآن لم تخرج ردود أفعال الحكم من دائرة التصريحات الآنية المتباينة المضامين، والإجراءات الترقيعية، والمناشدات البلاغية الموجهة إلى الجانب التركي.
أما الإجراءات الإيرانية فقد جرى تناسيها، ولم يعلق عليها إلا بعض النواب والمصادر الصحافية في إقليم كردستان، وهذه كلها ردود واهية، لا تنسجم مع فداحة الخطر المحدق بالعراق ورافديه. كما أن إصرار تركيا على رفض عقد اتفاقية دولية لتقاسم مياه دجلة والفرات، ورفضها تدويل الخلاف، واعتباره شأناً داخلياً تركياً، تأسيساً على اعتبارهم النهرين تركيين عابرين للحدود وليسا نهرين دوليين قابلين للقسمة المتساوية بموجب القوانين الدولية، يزيد من حراجة الخطر ويحوله إلى عدوان تركي شامل على العراق.
هذا أمر يوجب على أي حكم وطني عراقي منشود، وبالتعاون والتنسيق مع الحكم السوري كطرف متضرر من العدوان التركي، تغيير قواعد اللعبة الجارية، والتخلي أولاً عن الحلول الترقيعية ولغة المناشدات، ونقل الخلاف ثانياً إلى الهيئات الدولية كمحكمة العدل الدولية وهيئة الأمم المتحدة، وثالثاً، وهو الأهم، التوقف فوراً عن تصدير النفط العراقي عبر خطوط النقل التركية، والاستعاضة عنها بموانئ الجنوب وبخط بانياس السوري المعطل منذ عقود، ورابعاً وأخيراً تحويل القضية إلى قضية رأي عام مصيرية وتثقيف الرأي العام العراقي والعربي والعالمي بخلفياتها وآفاقها.
* صحافي وكاتب عراقي