بيار أبي صعبفي السادس من أيّار (مايو) الماضي، كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يطفئ شمعته الأولى في «قصر الإليزيه». وفي اليوم التالي، شهدت إيطاليا عودة سيلفيو برلوسكوني إلى رئاسة الحكومة، للمرّة الثالثة منذ ١٩٩٤. خبر الإيطاليون سيلفيو برلوسكوني طويلاً، وتابعوا متاعبه مع القضاء بقضايا تتعلّق بالفساد. ومع ذلك أعادوه إلى السلطة. ولم يكد il Cavaliere يمسك بالدفّة من جديد، حتّى باشر «الانتقام» من قضاته، وقدّم للبرلمان مشروع قانون يقضي بخفض ميزانيّة وزارة العدل أكثر من أربعين في المئة، وتعليق عشرات آلاف القضايا (بعضها يخصّه) في المحاكم الإيطاليّة. في تلك الأثناء، كان الرئيس ساركوزي الذي يختبره الفرنسيّون للمرّة الأولى، يخطب في باريس أمام مناصريه، متبجّحاً بقانونه الجديد الذي يلزم المضربين بـ«حدّ أدنى من العمل»: «اليوم في فرنسا، ينظَّم إضراب فلا يسمع به أحد!».
القواسم المشتركة بين برلوسكوني وساركوزي لا تتوقّف عند جنسيّة زوجة الرئيس الفرنسي الحاليّة، بل تتجاوزها إلى جوهر مشروعيهما: كلاهما ينتهج خطاً شعبوياً في التعاطي مع الرأي العام، ويتماهى مع الدولة، مستبدلاً مؤسساتها بأدائه الشخصي. وكلاهما يتلاعب بالإعلام، معلناً قطيعة حقيقيّة مع «السياسة»، فإذا بالاستعراض يحلّ مكان الحكم، و«الجمهور» مكان الرأي العام و«قادة الرأي» مكان المثقّفين... ما حدا بالعالم السياسي الفرنسي بيار موسّو إلى اختراع مصطلح الـ«ساركوبرلوسكونيّة»، عنوان كتابه الصادر أخيراً في باريس Sarkoberlusconisme.
والحضور الطاغي لساركوزي الذي يتدخّل في كلّ تفاصيل الحياة العامة، كأنّه حاكم مزرعة (نحن العرب نتفرّج ونبتسم!)، جعل بعضهم يرى بصماته على قرار طرد أشهر مذيعي القناة الفرنسيّة الأولى باتريك بوافر دارفور الذي يواكب حياة الناس كلّ مساء، منذ... ٢١ عاماً. الخبر «الصدمة» يشغل فرنسا حاليّاً، في حين لم يعبأ أحد بصرف آلاف العمال من مصانع «دانون» أو «ميتال ــــ أوروب».
هناك حدث آخر يشغل بال المواطنين هذه الأيّام، ويتعلّق بالسيّدة الفرنسيّة الأولى. فعشيّة الاحتفالات بذكرى «الثورة الفرنسيّة»، وإطلاق «الاتحاد من أجل المتوسّط» من باريس، أطلقت كارلا بروني أسطوانتها الثالثة «كأن شيئاً لم يكن»! كما كتب بومارشيه في «عرس فيغارو»: «في فرنسا... كل شيء ينتهي بالأغاني».