بيسان طي«اجعلوا التكنولوجيا في خدمة الذكاء البشري... ولا تدعوا الروبوتات تتفوق علينا»، هذا التحذير ليس جديداً، نذكر جيداً الوقع المدوّي لتصريحات بيل جوي عام 1999، عندما تحدث عن المسار الخطر الذي تتخذه سياسة تطوير الرجال الآليين والنانوتكنولوجيا... صرخة جوي، واضع لغة «جافا»، سهّلت تسليط الأضواء على نقاش الدائر حول تطوير التكنولوجيا، هو نقاش لا يدعو إلى قتل الثورة التكنولوجية، بل إلى تصحيح مسارها. ورغم الردود المتكررة على ألسنة العاملين في الميدان التكنولوجي الذين يؤكدون أنهم يضعون مصلحة البشرية كمعيار أساسي لجهودهم، إلاّ أن تصريحاتهم لم تنجح في تهدئة المخاوف.
اليوم يجتمع عشرات العلماء من مختلف أنحاء العالم، بدعوة من إدارة معهد «مستقبل الإنسانية» في جامعة أوكسفورد البريطانية. والهدف من المؤتمر بحث «المخاطر الكارثية التي تهدد العالم»، المواضيع التي ستناقش تتعلق بالأسلحة النووية، و«ماذا نفعل إن اصطدم نيزك ضخم بكوكب الأرض؟»، ولكن المؤتمر، الذي يستمر أياماً، سيُخصص الجزء الأكبر من أعماله لمناقشة «المخاطر غير المقصودة للتطور التكنولوجي»، والكوارث الناجمة عن الآلات الخارقة الذكاء إذا ما حُوّر مسار تطويرها وتصنيعها.
في حديث إلى شبكة «سي أن أن»، لفت مدير المعهد نيك بوستروم إلى أن «أي كيان يتمتع بذكاء أكبر بشكل راديكالي من ذكاء الإنسان، يمثّل خطراً، لأنه يتمتع بالتأكيد بقوة خارقة»، وشدد على أن أي تطوير في مجال النانوتكنولوجيا أو الذكاء الاصطناعي أو البيوتكنولوجيا يجب أن يخضع لمعايير إنسانية، أي إن هذا التطوير يجب أن يسهم في زيادة قدرات الذكاء لدى البشر، وأن يساعد أيضاً على دعم قدراتهم البيولوجية.
في ختام المؤتمر سيصدر بيان يدعو إلى تطوير التكنولوجيا، ولكن بشكل يجعلها تساهم، ليس فقط في تحسين العالم من حولنا، بل إلى تطوير حياة البشر نفسها من الناحيتين البيولوجية والاجتماعية.
حديث المخاطر متكرر، ولكن الجديد الذي سيأتي به المؤتمر هو الإعلان الرسمي أن «اندماجاً سيحصل بين الذكاء والوجود البيولوجيين من ناحية، والتكنلووجيا الحديثة من ناحية أخرى»، وبين «الواقع الفيزيائي والحقيقة الافتراضية» وفق الباحث راي كورزيل المتخصص في قراءة التوجهات المستقبلية للتكنولوجيا. ومن التوقعات التي ستلفت النظر خلال المؤتمر إعلان أن عام 2020 سيكون محطة مفصلية في إطار ثورة جديدة تشهدها النانوتكنولوجيا.
المؤتمر لن يقتصر على التصريحات، فالمناقشات والبيان الختامي سيُستكملان بدراسات تركز على مراقبة أعمال الشركات والآلات التي تنتجها.
ويمثّل المؤتمر محطة مهمة في إطار «الثورة المضادة» التي ساهم بيل جوي في إطلاقها، عندما أعلن أن «المستقبل لن يكون في حاجة إلينا». ثم بدأ، قبل سبع سنوات، الكلام عن المسؤولية الأخلاقية للتطور التكنولوجي، ومرّ بمنعطفات وتحوّلات كثيرة، وتعددت العناوين التي طُرحت في إطاره، وقد تفرع النقاش وتشعب ليبتعد قليلاً عن الروبوتات والنانوتكنولوجيا، ويدور في فلك الشبكة الإلكترونية. وفي الآونة الأخيرة، كثر الكلام عن «مسؤولية المثقفين الجديدة»، ومن أبرز المتحدثين في هذا الأمر بيار ليفي المسؤول عن الدراسات المختصة بالذكاء الاصطناعي المشترك (Intelligence collective) في جامعة مونتريال.
ويؤكد ليفي أن عملية «إعادة الاختراع» هذه من مهمة ثلاث فئات من الباحثين والعالمين، وهم الباحثون في العلوم الإنسانية والاجتماعية، الباحثون في علوم المعلوماتية وتقنياتها، والمسؤولون عن ترويج «الموروثات الثقافية» في العالم.