محمد زبيبيرصد صندوق النقد الدولي، في تقريره الأخير، الإجراءات التي اتّخذتها الدول من أجل التخفيف من آثار ارتفاع أسعار النفط والغذاء، فيشير إلى أنّ 46 دولة تدعم أسعار الوقود، وهناك أكثر من 84 دولة طبّقت تخفيضات ضريبية على المواد الغذائية، بينما عمدت 28 دولة إلى تقديم دعم مباشر لتثبيت الأسعار، وعمدت 56 دولة إلى توجيه تحويلات مباشرة إلى أشدّ الناس فقراً من خلال توفير الوجبات... إلا أن الصندوق انتقد هذه الإجراءات، التي ساهمت في زيادة استهلاك الأثرياء، وعزّزت الفساد في بلدان لا تتمتع بإدارات كفوءة.
لبنان لم يكن بارزاً في هذا التقرير. فالمسؤولون في الحكومة السابقة تلطّوا وراء مقولة «التضخّم المستورد» ليبرّروا عجزهم وعدم رغبتهم في اتخاذ قرارات تتيح تدخّلاً أوسع للدولة. فاكتفت هذه الحكومة بإجراءات جزئية، أبرزها دعم سعر المازوت بمبلغ 3 آلاف ليرة في الشتاء الماضي، ودعم الطحين المستخدم في صناعة الخبز العربي منذ آب الماضي.
هذه الإجراءات «الهامشية» سرعان ما تحوّلت إلى «مزراب» آخر لسرقة المال العام، انطلاقاً من القاعدة التي تحكم سلوك الطبقة السياسية، والتي تتبنّى قناعة «مدمّرة» بأن النموذج اللبناني لا يمكن أن يصمد من دون قنوات إعادة التوزيع المؤمّنة عبر منظومة الفساد!
لقد أسفرت هذه الإجراءات عن كلفة باهظة استفاد منها المتحكّمون بالأسواق، وهو ما يعترف به المعنيون، إذ أقرّ منسّق «كارتيل» النفط في لبنان بهيج أبو حمزة بأن عدد الشركات التي تسلّمت المازوت خلال فترة دعمه ارتفع من 12 شركة عاملة فعلياً إلى 130 شركة، فيما أقرّ الوزير السابق سامي حدّاد بأن كل القوى السياسية تدخّلت لزيادة حصص الأفران من الطحين المدعوم، ما رفع الكمّيات الموزّعة من 13 ألف طن شهرياً، تمثّل الحاجات الفعلية لصناعة الخبز العربي، إلى 17 ألف طن شهرياً، وأن عدد الأفران العاملة فعلياً قبل الدعم كان أقل من 140 فرناً في كل لبنان، فارتفع العدد في ظل الدعم إلى أكثر من 180 فرناً!
إنها مجرد أمثلة عن حجم المشكلة التي يواجهها اللبنانيون، والتي ستزداد سوءاً عشية الانتخابات النيابية، في ظل التوقعات باستمرار ظاهرة الأسعار المرتفعة إلى أمد بعيد.