لم تتوقف غضبة مجلس القضاء عند ادّعاء بعض القضاة على محامين وإعلاميين، لتتعداها أمس إلى اتخاذ قرار بتعليق احتجاجي لجلسات المحاكم اليوم، والمطالبة بالعمل على وضع قانون «ينظم تعاطي الإعلاميين مع السلطة القضائية»، فضلاً عن التهديد «بإجراءات أكثر جذرية»

حسن عليق

قرّر قضاة لبنان أمس، تعليق الجلسات في جميع المحاكم اليوم، «كتعبير رمزي عن استنكارهم لما تعرض له القضاء أخيراً»، متمنين على وزير العدل «العمل على استصدار قانون ينظم التعاطي الإعلامي مع القضايا التي تتعلق بعمل السلطة القضائية».
قرار القضاة وتمنيهم صدرا إثر الجمعية العمومية التي عُقِدَت عند الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر أمس، في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في قصر عدل بيروت، استجابة لدعوة مجلس القضاء الأعلى «ليعلنوا استنكارهم للتمادي في التطاول على الجسم القضائي». ورغم أن المجلس كان قد دعا إلى عقد الجمعية العمومية في بيان أصدره قبل ثلاثة أيام، محدداً موعداً لها عند الثانية عشرة ظهراً، إلا أن القضاة انتظروا رئيس مجلس القضاء وأعضاءَه حتى الثانية عشرة والنصف لبدء الجمعية. وبعدما طلب رئيس المجلس القاضي أنطوان خير الوقوف دقيقة صمت عن روح القاضي محمد سعيد عدرا، قال إن الجلسة ستكون «جلسة مصارحة، فينبغي أن تكتنفها السرية»، طالباً من بعض القضاة دخول القاعة وإقفال بابها.
بعد نحو ساعة من النقاش، انتهت الجمعية العمومية بإصدار بيان ذُكِرَ فيه أن القضاة اجتمعوا «ليعلنوا استنكارهم للتمادي في التطاول على الجسم القضائي من جهات شتى، ولأسباب معروفة وأخرى مجهولة، كما ليؤكدوا على ثقتهم التامة بمجلس قضائهم الأعلى رئيساً وأعضاءً، فهم رأس الهرم القضائي وضمانة عمله واستمراره، وهم خير من يمثل الجسم القضائي برمته، ومرجع القضاة وسندهم الأول والأخير».
واستغرب القضاة في بيانهم «الحملات المغرضة التي تطلق في كل مرة يكون فيها مجلس القضاء الأعلى منكباً على إجراء التشكيلات القضائية، الأمر الذي يوضح نوايا المتحاملين، الهادفة إلى عرقلة العمل القضائي وإلى الضغط غير المبرر وغير المقبول على مجلس القضاء في أدائه لإحدى أهم مهماته، وهي إجراء التشكيلات القضائية». وطالب المجتمعون «هيئة التفتيش القضائي الاستمرار في تفعيل آليات المحاسبة والرقابة داخل السلطة القضائية، مؤكدين ثقتهم التامة برئيس الهيئة وأعضائها، مشيرين إلى أن تنقية الجسم القضائي من أية شوائب في حال وجودها هي مطلب السواد الأعظم من القضاة، كل ذلك ضمن المؤسسة القضائية دون تشهير أو تستّر، ودون تشدد أو تراخ في غير محلهما». وأثنى القضاة في بيان جمعيتهم العمومية على «طلب مجلس القضاء الأعلى من النيابة العامة التمييزية اتخاذ الإجراءات والملاحقات الفورية بحق كل من تناول ويتناول القضاء كسلطة، أو القضاة بشخصهم في ملفات ودعاوى فصل أو ينظر بها، مهما علا شأنه ومهما تكن وظيفته أو الحصانة التي يتمتع بها». كما شكروا وزير العدل «على تضامنه مع تحركهم، وتمنوا عليه المساعدة في تنفيذ ما يطالبون به ضمن الصلاحيات التي يوليه إياها القانون، لا سيما العمل على استصدار قانون ينظم التعاطي الإعلامي مع القضايا التي تتعلق بعمل السلطة القضائية».
وقرّر القضاة، «وكتعبير رمزي عن استنكارهم لما تعرض له القضاء أخيراً، تعليق الجلسات في جميع المحاكم يوم الجمعة الواقع فيه 18/7/2008»، معلنين أنهم «سيتخذون إجراءات جذرية أكثر حدة» في حال «عدم التجاوب مع ما سبق بيانه أعلاه».
وختم البيان بأن أهاب «قضاة لبنان بالرأي العام اللبناني أن يستمر بالوثوق في سلطته القضائية، وأن يدرك أن الدولة القوية لن تقوم لها قائمة بغير سلطة قضائية مستقلة وموثوق بها. إن للقضاء هيبة قرر قضاة لبنان أن لا يفرطوا بها بعد اليوم، ويبنوا بها دولة القانون والمؤسسات».
وعلمت «الأخبار» أن وجهتي نظر طرحتا خلال الجمعية، واحدة طالبت بعدم تعليق جلسات المحاكم احتجاجاً على تصريح لنائب أو برنامج تلفزيوني، فيما أصرّت الوجهة الأخرى على ضرورة التضامن مع كل قاضٍ يتعرّض لأي نوع من الهجوم. وعندما طُرِح أمر تعليق الجلسات على التصويت برفع الأيدي، قارب عدد من لم يرفعوا أيديهم نصف عدد الموجودين. من ناحية أخرى، عُلِمَ أن بعض المجتمعين طرح مسألة العودة عن عدم التوقيف الاحتياطي للصحافيين، إلا أن البيان النهائي انتهى إلى الدعوة للعمل على إصدار قانون خاص بتعامل الإعلاميين مع القضاء. وقد رأى قانونيون أن ما ورد في البيان من طلب إقرار قانون خاص بهذا الأمر، يوحي بأن بعض القضاة مستاؤون ليس فقط من النقد غير القانوني، بل أيضاً من النقد الذي يرد تحت سقف النصوص القانونية الحاضرة. وأشار القانونيون إلى أنه كان من الأجدى أن يحتكم القضاة إلى القضاء بدل إصدار بيانات إدانة من دون محاكمة.


الاحتجاج الثاني في سنتين

توقف جلسات المحاكم اليوم هو الاحتجاج الثاني من نوعه الذي يلجأ إليه القضاة خلال سنتين. فعام 2006، احتج القضاة على اعتراض وزير العدل آنذاك، شارل رزق، على تسمية القاضي حبيب مزهر عضواً في مجلس القضاء الأعلى، فيما شهدت ثمانينيات القرن الماضي إضراباً قضائياً على خلفية مطالبتهم بتحسين أوضاعهم.